ثقوب الجسم (Piercing).. زينة عصرية باطنها أضرار صحية

فتاة تستعمل ثقوب الجسم على شفتها السفلية

من منا لا يهوى التزيُّن، ولو بالقليل من الإكسسوارات؛ كأقراط الأذن مثلا، ربما قرطين أو ثلاثة. لعل أحد أشيع أنواع الزينة هذه الأيام هي ثقوب الجسم؛ بخاصة ثقوب الأذن. ورغم أن لثقوب الجسم لمسة جمالية جلية؛ لكنها قد تخفي معها الأذى لصحة الإنسان.

في هذا المقال، سنتناول أضرار ثقوب الجسم، وتدابير الوقاية اللازم اتباعها لتلافي المضاعفات المحتملة، فابقَ معنا.

لِمَ قد تسبب ثقوب الجسم مضاعفات صحية؟

ثقب الجسم (Body Piercing) هو عملية إحداث ثقب في منطقة ما في الجسد بواسطة إبرة أو مثقاب، بهدف إدخال الحلقات أو المجوهرات. تعتبر ثقوب الجسد دارجة بشكل أكبر بين النساء والفتيات، وتبقى نسبة ولو ضئيلة من الرجال يُقبلون عليها.

أشكال ثقوب الجسم
تختلف مواقع ثقوب الجسم لتشمل: الأذنين، الأنف، الوجه، اللسان، الشفتين، وغيرها من الأمكنة

قد لا يكون ثقب الجسم بحد ذاته فعلا خطيرًا؛ وإنما يأتي التخوف في المقام الأول من تفاوت ردات فعل الأجسام لفعلٍ كهذا. البعض قد يكونون أكثر عرضة من غيرهم لحدوث مضاعفات صحية. من هؤلاء، مرضى السكري والذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة؛ حيث تزداد قابليتهم لالتقاط العدوى الناتجة عن الثقبْ. يضاف إليهم الأشخاص المعرضون للنزيف الزائد كمن يتناولون مضادات التجلط، فقد يواجهون بدورهم مشاكلَ صحية أخطر؛ مثل: الالتهابات الشديدة، وعدم التئام الجرح بالسرعة الطبيعية.

يعدّ نوع المجوهرات المستخدَم عاملا آخر في حدوث المضاعفات الناشئة عن ثقوب الجسم. من المعروف أن هناك نوع مجوهرات مخصص لكل شكل من ثقوب الجسد. على سبيل المثال، الأقراط المستخدمة لثقب الأذن لا تصلح لثقب الأنف؛ مما يفرض على الشخص اختيار النوع بعناية. في نفس الوقت، فإن المواد التي تُصنع منها مجوهرات الثقوب لها دور كبير في احتمالية حصول ردود فعل  تحسسية. من المواد الشائعة التي تصنع منها المجوهرات: الفولاذ المقاوم للصدأ، الذهب، النيوبيوم، التيتانيوم. ولعلَّ أكثر هذه المواد آمانًا هما التيتانيوم والنيوبيوم؛ إذ نادرًا ما يسببان رد فعل تحسسيّ.

من المؤسف أن المواد السابق ذِكرها غير نقية بالكامل؛ خاصة المصنوعة من الذهب، والتي يتم خلطها مع النيكل لجعلها أكثر صلابة. ويُعتبر النيكل الموجود في المجوهرات المطلية بالذهب من الأسباب الشائعة لردود الفعل التحسسية لدى الأشخاص الحساسين لهذا المعدن.

نستنتج مما سبق أن ليس الجميع معرضون للإصابة بمضاعفات صحية أثناء أو بعد ثقب الجسم؛ وإنما هي حالات ليست بنادرة، وفي نفس الوقت ليست شائعة بشكل كبير، لكنها قابلة للحدوث.

ما هي المضاعفات الصحية التي تحدثها ثقوب الجسم؟

بعض المضاعفات تكون بسيطة مثل الاحمرار، وبعضها أكثر جدية. لنتعرف عليها معًا:

1. ردود الفعل التحسسية

 كما ذكرنا آنفا، فإن بعض المجوهرات وتحديدًا المصنوعة من الذهب، قد تحتوي على معدن النيكل، وهو مسؤول عن ظهور ردود فعل تحسسية. كما أن المجوهرات رديئة النوع قد تسبب رد فعل تحسسي كالذي يسببه النيكل. معظم أعراض الحساسية تشمل: احمرارًا، حكة، تورم أو تقرحات في مكان الثقب. لذا، يكون من المهم انتقاء مجوهرات ذات جودة عالية. وفي حال طُروء رد فعل تحسسي، من الضروري إزالة قطعة المجوهرات ثم تطبيق كريمات الكورتيزون المساعِدة في إيقاف التهيج.

2. مشاكل صحية مرتبطة بثقوب الفم

 ثقوب الفم مثل ثقب اللسان، الخدين، أو الشفاه، هي من أنواع الثقوب الرائجة؛ لكنها قد تسبب مشاكل صحية خطرة، ومنها:

  • احتمال إصابة الأوعية الدموية في اللسان حال ثقبه، والتسبب بنزيف ووَرم دموي.
  • تورُّم اللسان وما قد يصاحبه من انسداد مجرى التنفس.
  • تكسُّر الأسنان وتشققها إثر احتكاكها مع المجوهرات الموضوعة على اللسان أو الشفتين.
  • مشاكل في اللثة ومينا الأسنان ناجمة عن الاحتكاك ذاته.
  • تضرُّر عظام الفكّ وإمكانية اللجوء لتدخل جراحي.
  • إصابة المنطقة المثقوبة سواءً الشفاه أو اللسان بالعدوى البكتيرية، التي في حال تفاقمها قد تنشأ صعوبات في النطق أو المضغ والبلع.

3. التهاب الجلد

من أهم المشاكل المرتبطة بثقوب الجسم هي التهاب الجلد. تختلف احتمالية حدوث التهاب حسب موقع الثقب، وأكثر المناطق التي تزداد فيها فرصة حدوث التهاب هي ثقوب الأذن؛ لا سيما الثقوب التي تخترق غضروف صيوان الأذن. هذه المنطقة من الأذن خالية من الأوعية الدموية؛ مما يصعّب عملية التئام الجروح فيها، ويرفع من خطر إصابتها بالعدوى؛ مثل التهاب سمحاق الغضروف (Perichondritis). من الأعراض المرافقة لالتهاب سمحاق الغضروف الأذني:

  • تورم وسخونة موضعية.
  • احمرار في جزء من صيوان الأذن.
  • ألم حاد في الغضروف.
  • الخراج أو الدُّمَّل.
  • حدوث نخر في الأنسجة.

يحدث هذا الالتهاب بفعل كائنات بكتيرية مثل:

  • الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa).
  • المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus).
  • المكورات العُقديّة المقيحة (Streptococcus pyogenes).

ورغم صعوبة الأعراض وشدتها؛ إلا أن علاجها ليس بتلك الصعوبة. عادة ما تستجيب هذه الكائنات للعلاج بالمضادات الحيوية؛ أما في حالة تطور الخراج فينبغي إخضاعه لإجراء جراحي بسيط لشقه والتخلص منه.

4. حدوث التمزقات والجروح

التهاب الجلد ليس المشكلة الجلدية الوحيدة؛ إذ توجد مشاكل أخرى من قبيل الجروح والتمزقات. إذا تعرضت الأذن المثقوبة إلى نوع من الضغط أو العنف نتيجة لحادث سقوط أو ارتطام أو نشاط خشِن يتضمن سحب الأقراط بشدة. فعندئذٍ، يمكن أن تتمدد فتحة الثقب أو تتمزق ما يؤدي لتشوه الأذن. ويسري ذلك على بقية المواقع المثقوبة من الجّسم.

5. تكوُّن الجدرة أو الكيلويد (Keloid)

الجدرة هي عبارة عن تندب سميك ناتج عن نمو مفرط للنسيج الليفي. تظهر بعد تعرض الجلد لإصابة وإن كانت بسيطة مثل الثقبْ. من أبرز الأماكن التي يمكن أن تتكون فيها الكيلويد: شحمتَيّ الأذن، الكتفين، الخدين، الصدر. يُذكر أن الكيلويد ليست خطيرة ولا تسبب أعراضًا؛ فيما عدا الحكة والشعور المزعج عند لمسها، إضافة إلى الانزعاج والتوتر من الناحية الجمالية.

في الحقيقة، لم يعرف الخبراء السبب الفعلي وراء تكون الجدرة؛ إلا أنَّ معظمهم يتفق على فرضية أنها خلل وظيفي في عملية التئام الجرح يزيد على إثره إفراز الكولاجين. يختلف علاج الكيلويد باختلاف حجمها، فإذا كانت صغيرة الحجم فإنَّ حقنها بالكورتيكوستيرويدات إلى جانب الضمادات الضاغطة يُعتبر كافيًا. أما إذا كانت كبيرة الحجم، فإنها تتطلب علاجات أوسع؛ تشمل: الاستئصال الجراحي، الجراحة بالتجميد، العلاج الإشعاعي، والعلاج بالليزر.

6. انتقال العدوى عبر الدم

 قد لا تشكل المشاكل الصحّية السابقة خطرًا حقيقيًا على الشخص، في ظل احتمال الإصابة بأمراض منقولة عبر الدم ناشئة عن أدوات الحقن الملوثة بدم شخص مصاب. من هذه الأمراض: التهاب الكبد بي، أو التهاب الكبد سي. هذه الأمراض خطيرة جدًا وقد تؤدي إلى مضاعفات صحية حرجة إذا لم تُكتَشف وتُعالَج في وقتٍ مبكر.

كيف تحافظ على سلامة مكان الثقب بعد إجرائه؟

للحفاظ على سلامة مكان الثقب بعد إجرائه، اتّبع هذه الممارسات لتجنُّب أي من المشاكل الصحية الواردة قدر الإمكان:

التأكد من إجراء الثقب في عيادة أو محل مضمون يتّبع إجراءات السلامة ويستخدم أدوات جديدة ومعقمة. واحرص بدورك على ضمان سير الإجراءات بمراقبة أخصائي الثقبْ والتزامه بمعايير السّلامة مثل ارتداء القفازات والتعقيم المستمر للمعدات والمنطقة المستهدفة قبل البدء.

اختيار نوع حلق لا يسبب لك الحساسية؛ مثل المصنوع من التيتانيوم أو النيوبيوم أو الفولاذ المقاوم للصدأ منخفض النيكل -يعرف أيضًا بالستانلس ستيل-.

تنظيف المنطقة المحيطة بالثقب مرتين يوميًا، باستخدام محلول ملحي مخصص لتنظيف الجروح. وإن تعذر الحصول عليه، اكتفي بغسله بالماء والصابون. يفضل تجنب التنظيف باليود أو الكحول لمنع وقوع ضرر بموضع الثُّقب.

الامتناع عن الذهاب إلى أماكن السباحة كالبرك وحمامات المياه الساخنة، فضلا عن المسطحات المائية المفتوحة كالبحيرات والأنهار نظرًا لاحتواء مياهها على بكتيريا وجراثيم قد تفاقم خطر العدوى.

عدم نزع الحلق من الثقب خلال فترة الشفاء -قد تستغرق فترة الشفاء من 6 أسابيع إلى بضعة شهور- كذلك يجب خلالها تفادي لمس الحلق أو العبث به. وانتبه من ملامسته للملابس لأن الاحتكاك قد يسبب التهيج وبالتالي تأخر عملية الشفاء.

إبرة الثقبْ.. “سلاح” ذو حدين

ختاما، تعدّ ثقوب الجسم من طرق التزين العصرية والشهيرة؛ لكنها تحمل في طياتها أضرارًا صحية جمّة. لا تقتصر الأضرار على الجلد؛ بل تشمل أيضًا الأسنان واللثة والأوعية الدموية. ولكي تقي نفسك من هذه المضار، ضع تلك التدابير الوقائية “حلقة في أذنك” وداوِم على تطبيقها، فصحتك وجمالك كلاهما يستحقان العناية.

اقرأ/ي أيضًا: اعتني ببشرتك لتعتني هي بك

○ عمِّم/ي الفائدة:


المراجع:

(1) Meltzer, D. I. (2005, November 15). Complications of body piercing, American family physician, 72(10), 2029-2034

(2) Piercings: How to prevent complications. 2024, March 1. Mayo Foundation for Medical Education and Research, Retrieved on the 22 April

(3) Body Piercings, Teens & Potential Health Risks: AAP Report Explained. 2021, April 28. American Academy of Pediatrics, Retrieved on the 22 April

(4) Markel, K., Silverberg, N., Pelletier, J. L., Watsky, K. L., & Jacob, S. E. (2019). Art of prevention: A piercing article about nickel. International Journal of Women’s Dermatology, 16(3), 203-205

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top