الكوارث الطبيعية وصحتك.. كيف تتصرف أثناء الكارثة؟

فتاة تضع قناع وجه بعد تعرض منطقتها للحرائق إحدى الكوارث الطبيعية

في عالمنا اليوم، تزايدت الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والجفاف اللذان ينتجان عن التقلبات المناخية، والزلازل والبراكين وارتباطهما بقوانين الطبيعة. وبلا شك، تحمل هذه الكوارث تأثيرًا كبيرًا على حياة الناس، وقد تسبب آثارًا سلبية نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن المحتمل أن تبدأ هذه الآثار على صحة الإنسان فور وقوع الكارثة وتنتهي معها، وربما تستمر لفترات طويلة.

الكوارث الطبيعية في العقود الأخيرة

أسفرت الكوارث الطبيعية المتزايدة في العقود الأخيرة، عن معاناة الملايين من البشر وزيادة الفئات المتضررة. حيث تُشير الدراسات لعام 2020 تأثر حوالي 100 مليون شخص بالأحداث الكارثية التي تسببت في خسائر اقتصادية عالمية تقدر بنحو 190 مليار دولار أمريكي؛ أثرت بدورها على الاستقرار المالي لدى الأفراد. وانعكست بحصيلتها على صحة الفرد النفسية وجودة حياته.

في مارس 2011، شهد اليابان زلزالا سُمي بزلزال شرق اليابان الكبير، والذي أدى إلى حدوث تسونامي أعقبه كارثة نووية. وفي عام 2017، أفضى إعصار هارفي إلى انفجار مصنع كيماويات في ولاية تكساس الأمريكية. ثم في عام 2020، تفشت جائحة كوفيد-19 وأنواع أخرى من الظواهر على مستوى العالم. ونتيجة لهذه الزيادات المتوقعة في الكوارث الطبيعية بات من المهم فهم تأثيرها على صحة الإنسان وسبل التعامل والتعافي الممكنة منها.

أنواع الكوارث الطبيعية
○ أهم أنواع الكوارث الطبيعية التي يمكن أن يواجهها الإنسان

تأثير الظواهر الطبيعية على صحة الإنسان

يمكن تصنيف آثار الكوارث الطبيعية على الصحة النفسية للإنسان إلى مرحلتين: 

مرحلة ما قبل الكارثة: مثل صدمة التعرض للكارثة، وظهور الضعف والهشاشة النفسية. 

مرحلة ما بعد الكارثة: يعاني فيها الفرد من أزمات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والقلق والاكتئاب، واليأس والإحباط.

تشير الأدلة إلى أن 10-30% من الأشخاص المتضررين من كارثة معينة، يعانونَ بعدها من آثار سلبية على الصحة العقلية؛ نتيجة التعرض المباشر لأهوالها (الغرق أو الهرب من النيران) أو التعرض غير المباشر لها (النزوح أو فقدان أفراد من الأسرة). وبينما يتقبل البعض تغيراتهم وخسائرهم، يشعر آخرون بالاستياء والغضب المستمر، مما يؤدي إلى تفاقم ضائقتهم النفسية.

في الأيام والأسابيع التي تلي الكارثة، قد تبدأ بعض الأعراض الشائعة بالظهور لدى الفرد؛ مثل:

  • الخوف والقلق من المستقبل.
  • صعوبة في اتخاذ القرارات أو التركيز.
  • اللامبالاة والخدر العاطفي.
  • الكوابيس والشعور بالعجز.
  • تغيرات في أنماط الأكل؛ كفقدان الشهية أو الإفراط في الأكل.
  • البكاء بدون سبب واضح.
  • الصداع وآلام الظهر ومشاكل المعدة.

هذه الأعراض قابلة للاختفاء عند البعض خلال فترة وجيزة، فيما قد تتحول لاضطرابات مزمنة لدى البعض الآخر إذا لم يتلقوا الدعم اللازم.

○ التأثير على الصحة الجسدية

وجدت إحدى الدراسات، التي شملت 500 مجتمع محلي في جميع أنحاء الولايات المتحدة، أن من تعرضوا لكوارث بيئية متكررة زادت لديهم حالات الربو وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وزيادة وزن الجسم. كما أظهرت دراسة حول صحة الأم والطفل أن الكوارث الطبيعية والصدمات الناتجة عنها أدت لزيادة خطر الولادة المبكرة.

عوامل الخطر الصحية المرتبطة بالكوارث الطبيعيَّة

تلعب بعض التغيرات المتزامنة مع حدوث الكوارث الطبيعية كالتي تنجُم عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والظروف الحياتية، دورًا في حدّة الآثار المترتبة على الإنسان. وكلما زادت شدة هذه العوامل زادت الآثار السلبية على الصحة النفسية، ومنها:

  • العوامل الاجتماعية والبيئية، مثل النزوح والتغير في العلاقات الوثيقة.
  • العوامل الحياتية، كفقدان أفراد الأسرة وخسارة الممتلكات واضطراب الروتين اليومي.
  • العوامل الاقتصادية مثل الاستقرار المادي، وانخفاض الدخل، وفقدان الوظيفة.

وتأكيدًا لهذه الفكرة، في دراسة حديثة لفيضان جنوب ألبرتا عام 2013، وُجد أنه وبعد 6 سنوات، كان الاكتئاب والقلق مرتبطين ارتباطًا وثيقا بالتصنيفات المادية والنفسية، حيث إنَّ الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم ومنازلهم نتيجة للفيضان لديهم معدل اكتئاب وقلق أعلى من الآخرين.

كيف يمكن للفرد أن يتصرف أثناء الكوارث الطبيعية؟

عادة ما تترافق المقالات الطبية مع قسم بعنوان “طرق الوقاية”. لكن هذه المرة، فإن المشكلة التي يتناولها موضوعنا تفوق قدرة الإنسان على منعها والتصدي لها، والسبيل المتاح هو التكيف معها والسعي للحدّ من آثارها السلبية على صحته وحياته:

استعدّ قدر الإمكان: حدوث الكوارث الطبيعية فجأة يترك لك وقتًا قصيرًا للاستعداد. لذلك، جهّز حقيبة سريعة في حال احتجت إلى الإخلاء؛ تتضمن وثائقك الشخصية، وأدويتك، وطعامًا، وأمورًا أخرى ضرورية لك. وعند الخروج، انتبه لمحيطك وابتعد عن أسلاك الكهرباء المتساقطة، والمنافذ الكهربائية المعرضة للماء، وخطوط الغاز المتقطعة، واحذر الحيوانات البرية أو الضالة.

استبق الحدث: في الحالات التي لا توجد فيها أوامر إخلاء، اتخذ خطواتٍ استباقية لحماية نفسك في المنزل؛ مثل تخزين الطعام وتعبئة المياه في قوارير والضروريات الأخرى. واتبع تعليمات سلطات الطوارئ والصحة العامة المحلية للبقاء آمنًا. 

مارِس تقنيات التهدئة: مثل تمارين التنفس التي تُهدئ جهازك العصبي وتُساعدك على الشعور بمزيد من التحكم عند اتخاذ القرارات والتعامل مع أي موقف تواجهه.

التفت لأوضاعك الصحية: عند الطوارئ، قد يتعطّل عمل الصيدليات ومقدمي الخدمات والمستشفيات. لذلك، التزم بتناول أدويتك حسب الوصفة الطبية السابقة الموجودة لديك، ومن المهم التأكد من عدم ملامسة الأدوية للماء أو تعرضها لدرجات حرارة عالية حفاظًا عليها.

تناول غذاءً صحيًا: قد لا يبدو الظرف ملائمًا للتفكير في تناول الغذاء الصحي في وقتٍ يصارع فيه الإنسان للنجاة. لكن وفي حالة الكوارث الطبيعية كالفيضانات مثلا، حاول عدم استخدام مياه الفيضانات للشرب أو الطبخ أو التنظيف تجنبًا للملوثات التي تحتويها. وبدلا منها، استعمِل المياه النقية المعبأة مسبقا. وإذا لم تتوفر لديك، فاغلي مياه الفيضانات لمدة دقيقة واحدة على الأقل، أو عقمها بالكلور (8 قطرات/لتر ماء) لجعلها آمنة.

وفي حال انقطاع التيار الكهربائي، احذر من تناول الأطعمة الفاسدة ومنتهية الصلاحية؛ حيث إنَّ الأطعمة القابلة للتلف الموجودة في الثلاجة تصبح غير آمنة للأكل بعد انقطاع التيار لمدة 4 ساعات. بالتالي، ابحث عن بدائل غدائية أكثر صحية قدر استطاعتك.

الإجراءات الواجب اتباعها عند وقوع زلزال - الكوارث الطبيعية
○ رسم توضيحي لكيفية التصرف المناسبة أثناء الزلزال

* إرشادات أخرى

من ناحية أخرى، إذا كنت مسافرًا إلى بلدٍ ما، فإن أفضل طريقة للحفاظ على سلامتك هي التخطيط المسبق والاطلاع على آخر الأخبار والأوضاع الطارئة التي قد تحدث في الوجهة التي تسافر إليها. وفي حال أشارت الأنباء لقدوم كارثة طبيعية، حاول تأجيل سفرك إنْ أمكن حتى تزول الكارثة.

وإن كان لا مناص من السفر، فخُذ احتياطاتك معك واحرص على تحديد أماكن آمنة لك ولعائلتك ولأفراد الرحلة ليتم اللقاء فيها إذا اضُطررتم للانفصال. كما جهز حقيبة سريعة تتضمن لوازم الإسعافات الأولية، ونسخا من المستندات المهمة مثل جواز السفر أو الوصفات الطبية، وقائمة بأرقام هواتف الطوارئ.

ووسط كل هذه المجريات والتقلبات، تكيَّف مع جميع مشاعرك وتقبّلها من حزنٍ وغضب وخوف وتوتر. وذكّر نفسك بأن تجربتك حقيقية، ومن الطبيعي والمقبول أن تُعاني وتشعر بالسوء حيال ذلك.

التعافي من آثار الكوارث الطبيعية

من المفسَّر أن تجد صعوبة في إدارة مشاعرك بعد الأحداث الصادمة الكبرى كالكوارث الطبيعية. بعض الدراسات سلطت الضوء على أن الأمل والتفاؤل والمرونة النفسية، يمكن أن تكون عوامل وقائية للصحة النفسية عقب الكوارث، أو يُسهّلان التأقلم والعودة لممارسة الحياة الطبيعية. إليك بعض النصائح حول ذلك:

تحدث عن الأمر: يساعدك ذلك على تخفيف الحزن والتوتر عندما تشارك مشاعرك مع الأشخاص الذين تثق بهم. 

اقضِ وقتا مع الأصدقاء والعائلة: يمكنهم دعمك في تجاوز هذه المرحلة العصيبة. وإذا كانت تفصلك عن عائلتك مسافة كبيرة، فابقَ على اتصال بهم عبر الهاتف. أما الأطفال فشجعهم على مشاركة مخاوفهم معك.

قلل من التعاطي مع أخبار الكارثة: ويشمل ذلك مشاهدة صور الكارثة أو قراءة الأخبار عنها مرارًا وتكرارًا. وعوضًا عنها، شاهد المحتوى الذي يريح النفس ويبعث على الاسترخاء.

اعتنِ بنفسك: احرص على نيل قسط كافٍ من الراحة ومارس الرياضة، وتناول طعامًا صحيًا. إذا كنت تدخن أو تشرب القهوة، فحاول الحد من تناولها؛ لأن النيكوتين والكافيين يزيدان من التوتر.

خصص وقتا للهوايات: اقرأ كتابًا، أو تمشَّ، أو شاهد فيلمًا، أو افعل أي شيء آخر تجده ممتعًا. هذه الأنشطة تصرف انتباهك عن الكارثة وتمكّنك من السيطرة على انفعالاتك.

إنجاز مهمة واحدة ولو بسيطة: إنَّ إنجاز المهام سيمنحك شعورًا بالحافز والنجاح والثقة بالنفس ويجعل الأمور أقل إرهاقا. بعد مرور الكارثة، حاول مساعدة الآخرين عن طريق التبرع بالدم، أو تجهيز طرود رعاية لمن فقدوا منازلهم أو وظائفهم، أو تطوّع في عمليات إعادة الإعمار.

اطلب مساعدة متخصصة عند الحاجة: إذا استمرت الأعراض السابقة (الخوف، القلق،…) لفترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أسابيع، فقد ترغب في مراجعة أخصائي رعاية نفسية، ويمكنك أيضًا الانضمام إلى مجموعة دعم. لا تحاول التأقلم بمفردك، فطلب المساعدة ليس ضعفا.

○ عمِّم/ي الفائدة:


المراجع:

(1) Heanoy, E. Z., & Brown, N. R. (2024). Impact of natural disasters on mental health: Evidence and implications. Healthcare, 12(18), 1812.

(2) Leppold, C., Gibbs, L., Block, K., Reifels, L., & Quinn, P. (2022). Public health implications of multiple disaster exposures. The Lancet Public Health, 7(3), E274–E286.

(3) Coping With Disaster (n.a), Mental Health America, Retrieved on the first of May

(4) Healthcare Ready, 2020 Mar 3, Health Preparedness Tips for Natural Disasters and Outbreaks, Healthcare Ready, Retrieved on the first of May

(5) 2019 March 26, Travel and Natural Disasters, CDC, Retrieved on the first of May

(6) Hicks, J. Caring for Your Mental Health in a Natural Disaster, JED, Retrieved on the first of May

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top