أضرار اللِحام على جسمك.. تعرَّف عليها قبل البدء بالعمل

عامل لِحام يمارس عمله والشرار يتطاير - أضرار اللحام

هل تعرف السر وراء صلابة ومتانة الجسور وهياكل السيارات والطائرات، والأشكال الفنية والجمالية للتماثيل المعدنية والنوافير المزخرفة التي تراها من حولك؟ إنها مهنة اللِحام. هذه المهنة التي تقوم على دمج جزأين أو أكثر باستخدام الحرارة أو الضغط. 

عادة ما نسمع عن فوائدها ودورها في تعزيز البنية الجمالية والوظيفية للمنشآت والمعدات؛ لكن ماذا بشأن أضرار اللِحام؟ والتبعات الصحية التي قد يصاب بها الشخص العامل في هذه المهنة؟ إذا كنت تعمل في هذه المهنة أو تعرف شخصًا يعمل بها، أدعوك إلى الانضمام لقراءة هذا المقال الذي يتحدث عن أضرار مهنة اللحام، وكيف يمكن للمرء وقاية نفسه منها.

ما هو مصدر الضرر الأساسي؟

قبل الخوض في مخاطر اللحام والآثار الصحّية الناتجة عنه، يجب توضيح المصدر الرئيسي للضرر في هذه المهنة؛ ألا وهو غبار أو أبخرة اللِحام. يتكون غبار اللِحام من مزيج من المعادن، مثل:

  • أكاسيد المعادن
  • السيليكات
  • الفلوريدات
صورة لتصاعد أبخرة اللحام

كما أن بعض الأبخرة قد تحوي نسبة ضئيلة من المنغنيز الذي يؤدي تراكمه في الجسم إلى حدوث تأثيرات عصبية. تتشكل الأبخرة عندما يتم تسخين المعدن إلى ما فوق درجة غليانه؛ ثم تتكاثف إلى جزيئات دقيقة جدًا أو جسيمات صلبة. وقد تحتوي بعض الأبخرة على جزيئات ناتجة عن المادة التي يتم لِحامها.

أضرار اللِحام على صحة الجهاز التنفسي

للأسف، البقاء في مهنة كهذه دون أخذ الاحتياطات اللازمة، قد يؤدي إلى دفع ثمن غالٍ فيما يتعلق بصحة الشخص؛ خاصة إذا كانت الأضرار والتأثيرات مزمنة ترافق العامل طوال حياته. ولعل أخطرها هي تلك المرتبطة بالجهاز التنفسي. تقسم الآثار الصحية على الجهاز التنفسي إلى حادّة ومُزمنة، نوضحها على النحو الآتي:

الآثار الحادة على صحة الجهاز التنفسي

يمكن تعريف الآثار الحادة على أنها أمراض تظهر على العامل بعد فترة قصيرة من تعرضه لغُبار اللحام. وبحسب هيئة الصحة والسلامة (HSE)، فإنَّ ما بين 40 إلى 50 عاملا يدخلون المستشفى سنويًا بسبب استنشاق الأبخرة المعدنية في بيئة العمل، رقمٌ كبير!

تشمل الآثار الحادة ما يأتي:

• تهيج الحلق والمجاري الهوائية الكبيرة في الرئة: تسفر الجزيئات الدقيقة في غبار اللحام عن جفاف الحلق والسعال والضيق في الصدر؛ لكنها غالبًا ما تكون مؤقتة. وأحد أهم الموادّ المسببة لهذه الأعراض هو الأوزون الذي ينتُج عن استخدام لِحام التنغستن بالغاز الخامل، وبدوره يؤدي التعرض المفرط للأوزون إلى تراكم السوائل في الرئتين. من المواد الإضافية التي تسبب التهيج هي أكاسيد النيتروز التي تتولد خلال معظم عمليات اللّحام بالقوس الكهربائي.  

• الربو الحاد الناتج عن التهيجات: يؤدّي استنشاق كميات كبيرة من أبخرة اللحام إلى تطور مرض الربو. وهو نوع مختلف عن أنواع الربو التقليدية التي عادة ما تكون مرتبطة بالحساسية أو التاريخ العائلي للمرض. ورغم أن هذا النّوع من الربو نادر الحصول؛ إلا أنه يمكن أن يسبب أعراضًا مزمنة إنْ لم يتم التعامل معه بالشكل الصحيح.

• حمى أبخرة المعادن: وهي عبارة عن أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا يشعر بها العاملون بعد القيام بعمليات اللحام. لا ينتُج عنها تأثيرات صحية دائمة، وتستمر لفترة وجيزة بعد انتهاء التعرُّض.

• الالتهاب الرئوي الحاد: يزيد استنشاق أبخرة اللِحام من فرصة الإصابة بالالتهاب الرئوي الناجم عن البكتيريا العقدية الرئوية (Streptococcus Pneumoniae)، والذي قد ينتج عنه أعراض حادة، وأحيانا مميتة. يتسبب الالتهاب الرئوي في وفاة حوالي عاملَيّ لحام سنويًا. وكتدبير وقائي يحفظ سلامة العمَّال، يتوفر لقاح يقلل من خطر الإصابة بالالتهاب الرئوي؛ لكنه لا يغني عن تطبيق تدابير التحكم في التعرض لانبعاثات عملية اللِحام.

الآثار المزمنة على صحة الجهاز التنفسي

تكون الآثار المزمنة أشدّ خطورة على حياة العامل، وتتطور بشكل تدريجي بعد التعرض لأبخرة اللحام. ومن أكثرها شيوعًا:

• سرطان الرئة: خطر الإصابة بسرطان الرئة مرتفع جدًا بين العاملين في اللحام أو أولئك الذين يتعرضون لأبخرة اللِحام. هذا ما آلت إليه الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، التي اعتبرت كافة أنواع أبخرة اللِحام سببًا في سرطان الرئة، وأيضًا سرطان الكلى. ما دفع الوكالة لتصنيف جميع أبخرة اللحام ضمن المجموعة الأولى من المواد المسرطنة.

• مرض الانسداد الرئوي المزمن: يتمثل مرض الانسداد الرئوي المزمن بتراجع أداء الرئة عن مستوى أدائها الطبيعي؛ مسبِّبًا أعراضًا مثل: ضيق التنفس التدريجي، ضيق الصدر، والصفير عند التنفس. وقد يؤدي أيضًا إلى الإحساس بالتعب والإرهاق. ومع ذلك، لا توجد دراسات كافية تثبت وجود علاقة قاطعة بين التعرض لأبخرة اللحام وتطور المرض.

• رئة اللحّام (Welder’s lung): وهي حالة صحية تشير إلى ترسُّب المعادن في الرئتين نتيجة التعرض لأبخرة اللّحام. وهي كحالة صحية مستقلة قد لا تتسبب بأعراض أو مشاكل صحية واضحة.

أضرار اللِحام على الجهاز العصبي

يسبِّب التعرض المستمر للمعادن كالرصاص، والحديد، والمنغنيز الموجودة في أبخرة اللحام، إلى زيادة فرصة الإصابة باضطرابات وسلوكيات صحية عصبية. كما أن التعرض لأول أكسيد الكربون (أحد الغازات المكوِّنة لأبخرة اللحام) والحرارة والإجهاد، تسبب جميعها اضطراباتٍ عصبية لدى العمال.

يعدّ المنغنيز عنصرًا أساسيًا في تدهور وظائف الدماغ مسببًا تغيرات في المزاج والذاكرة قصيرة المدى، وتأخُّر في ردود الفعل، وضعف في التنسيق بين العين واليد. يحدث هذا الخلل في التنسيق جرّاء تراكم المنغنيز في منطقة في الدّماغ لها دور مهم في تنظيم حركة الجسم الإرادية، وتُعرَف باسم “الكرة الشاحبة”. كما أشارت الدراسات إلى أن عمّال اللِحام الذين يتعرضون لمستويات منخفضة من المنغنيز (أقل من 0.2 ملغم/م³) أظهروا أداءً أضعف في اختبارات وظائف المخ والمهارات الحركية.

أما عند التعرض لمستويات عالية من المنغنيز (أكثر من 1 ملغم/م³ في الهواء) فيؤدي إلى نشوء متلازمة عصبية تشبه مرض باركنسون تعرف باسم “المنغنيزية”، مسببة أعراضًا من قبيل: الرعاش، بطء الحركة، تصلب العضلات، ضعف التوازن.

أخيرًا وليس آخرا، وفيما يتعلق بمخاطر المنغنيز، فإنَّ العاملين الذكور في مهنة اللحام يكونون أكثر عرضة لمشكلات في الخصوبة.

هل تؤثر أبخرة اللحام على أعضاء أخرى في الجسم؟

بالطبع، لا يقتصر ضرر أبخرة اللِحام على الرئتين والجهاز العصبي؛ بل يمتد ضررها ليؤثر على الجلد أيضًا. فإذا تلامس الجّلد مع أبخرة اللحام والشرار المتطاير -خصوصًا التي تحتوي على النيكل والكروم- فإنّه معرَّض للإصابة بالتهاب الجلد التماسي التحسسي، وهو عبارة عن طفح جلدي يثير الحكة وغير معدٍ.

إذا سمعت من قبل عن حالة حروق الشمس دون التعرض لأشعة الشمس، فهذا تمامًا ما يحدث لعمال اللِحام. ولعلها أكثر مشاكل الجلد شيوعًا بينهم؛ حيث تتعرض بشرتهم لجرعات عالية من الأشعة الفوق بنفسجية المنبعثة أثناء عمليات اللّحام؛ خاصة اللحام القوسي الكهربائي. ونتيجة لذلك، قد يصاب الجلد بالتهيُّج وتظهر عليه بقع حمراء تشبه بقع حروق الشمس.

من المخاطر الصحية الحقيقية الأخرى هي الإصابة بميلانوما العين، وهو أحد أنواع سرطان العين نادر الحدوث؛ لكنه مرتبط بشكل وثيق بعمليات اللحام والأشعة فوق البنفسجية الناتجة عنه. يصيب هذا السرطان الخلايا التي تُفرز صبغة الميلانين في العين، ويضم أعراضًا مثل: 

  • الشعور ببريق أو وميض أو بقع من الغبار ضمن نطاق الرؤية.
  • بقعة مظلمة وآخذة بالتوسُّع تتمركز على القزحية.
  • تغيُّر في شكل حدقة العين.
  • ضعف أو تشوش الرؤية في عين واحدة.

علاوة على ذلك، قد تصاب العين بالتهاب الملتحمة؛ إذ يتسبب الإشعاع الناشئ عن اللحام بالتهاب القرنية واحمرارها وتورم الملتحمة، إلى جانب حدوث حكة وحُرقة في العينين. وقد لا تبدأ الأعراض بالظهور إلا بعد مضيّ بضع ساعات من عملية اللِحام.

انفوجراف يوضح معدات السلامة الشخصية المستخدمة في اللحام
○ معدات السّلامة الشخصية أثناء اللحام

كيف يمكنك حماية نفسك والآخرين من مخاطر اللِحام؟

وجود مضار صحية لا يعني أن تعتزل المهنة؛ خصوصًا إذا كنت تستمع بها وتحبها. يكفي أن تلتزم بالتدابير الوقائية لدرء خطر اللحام عنك، ومن هذه التدابير ما يلي:

  • أخذ المطاعيم اللازمة -إن وُجدت- مثل المطعوم المضاد للبكتيريا العقدية الرئوية المسؤولة عن الالتهاب الرئوي.
  • الحفاظ على السلامة الشخصية بارتداء النظارات الواقية للعين والقناع الحامي للوجه. إضافة إلى ارتداء القفازات المقاومة للحرارة، والملابس القطنية ذات الأكمام الطويلة، مع حذاء مناسب يغطي القدمين.
  • تقليل الأبخرة الصادرة إما بتقليص حجم اللحام المطلوب، أو باستخدام مواد استهلاكية كالأسلاك أو القضبان التي تُنتج أبخرة أقل خلال أعمال اللِحام؛ ومن ضمنها أسلاك اللحام من نوع (MIG).
  • أتمتة العملية باستعمال الروبوتات أو الآلات؛ مما يقلل الاتصال المباشر بين العامل والأبخرة. وبالتالي، خفض التعرض لها والحدّ من الأضرار الصحية التي ذكرناها.
عاملان يقفان أمام آلة لحام
  • الاستعانة بأنظمة الاستخلاص المحلي (LEV)، وهي أنظمة تهوية محلية تُستخدم لسحب الأبخرة الملوثة من المصدر مباشرة عبر غطاء مخصص قبل أن تنتشر في الهواء. تساعد هذه الأنظمة في تقليل التعرض للأبخرة الضارة وتحسين جودة الهواء في بيئة العمل.

لا تتوقف عن العمل!

نذكّرك مرة جديدة بما تخلفه أبخرة اللِحام على صحتك، وما تحتويه من معادن وموادَّ إذا تراكمت داخل جسمك أو التصقت به، فإنها ستتسبب بمخاطر صحية تطال كُلًا من الجلد والرئة والدماغ والأعصاب. لا نذكّرك بذلك لإخافتك أو منعك من العمل؛ وإنما لحرصنا على صحتك ولحثك على اتخاذ احتياطات السلامة والالتزام بعدة الوقاية. في النهاية، نتمنى لك عملا آمنًا وخاليًا من المخاطر.

○ عمِّم/ي الفائدة:


المراجع:

(1) Welding. 2024, September 25. Canadian Center for Occupational Health and Safety. Retrieved on the 17 April
(2) Health Risks from Welding. Health and Safety Executive. Retrieved on the 17 April
(3) Welding Fumes and Manganese. 2024, February 23. CDC. Retrieved on the 17 April
(4) Controlling the risks from welding. Health and Safety Executive. Retrieved on the 17 April

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top