الموسيقى وسيلة معروفة ومعترف بها طبيًا في علاج أعراض الاكتئاب، بل أن الإنسان يميل نحوها أحيانًا عند شعوره بالضيق دون توصية من أحد.
لكن ليس كل أنواع الموسيقى تحمل فائدة في التخفيف من حدة الاكتئاب، فهناك أنواع تملك الأثر الإيجابي في تنشيطك وإيقاد مزاجك، وأخرى على خِلاف ذلك؛ تفاقِم الأمر سوءًا.
تشير الأبحاث إلى أن تأثير الموسيقى على المزاج، يرتبط باختيارات الأشخاص للأنواع الموسيقية التي يستمعون إليها. حيث إن شكل الاستجابة النفسية والجسدية تجاه الموسيقى يختلف باختلاف النوع الموسيقيّ الواقع اختياره.
ما أنواع الموسيقى التي يمكنها تخفيف الاكتئاب؟
بحسب الدراسات، فإنَّ هناك أنواع معينة من المُوسيقى يمكن أن تساهم في تحسين المزاج والحالة النفسية للشخص، وهي كالتالي:
الموسيقى الكلاسيكية الغربية
يشير الباحثون إلى أن الاستماع للموسيقى الكلاسيكية الغربيّة قد يكون له تأثيرات إيجابية على الدماغ والسلوك اليومي للأفراد. تشمل هذه التأثيرات تقليل مستويات الاكتئاب والتوتر والقلق، وتنظيم المزاج والشعور بالراحة، وزيادة الانتباه والتركيز.
ويعتبر موزارت وباخ وبيتهوفن أصحاب أشهر القوائم الموسيقية ذات الطابع الكلاسيكيّ الغربي. وتدخل ألحانهم في عديد الدراسات المختصة ببحث العلاقة بين الاستماع للموسيقى وفاعلية وظائف الدماغ.
الموسيقى التقليدية الصينية
تتمثل هذه الموسيقى بمجموعة متنوعة من الموسيقى الصينية الموروثة، وتمتاز بجوهرها القومي وخصائصها الإبداعية. أظهرت دراسات سابقة أن الموسيقى التقليدية الصينية قد تكون مفيدة للشباب في عدة جوانب؛ مثل تعزيز شعورهم بالهوية الوطنية، وإثارة دافعيتهم، وتنمية قدرتهم على التعبير عن قِيمهم ومبادئهم. مع توسيع آفاقهم عن طريق التفاعل مع مجتمعهم والتعرُّف على أشخاص آخرين.
كما أظهرت الدراسات أن هذه الموسيقى تساهم بخفض المشاعر السلبية وتحفيز ردود فعل جسدية إيجابية للأفراد مثل تقليل التوتر؛ الأمر الذي ينعكس على الحالة الذهنية والمزاجية للفرد. ثم إن الاستماع للموسيقى التقليدية الصينية قد يؤدي لحث الدماغ على إفراز الإندورفين، وهو هرمون يلعب دورًا في تنظيم المشاعر والعواطف السلبية.
الموسيقى الثقيلة
مثل موسيقى الراب أو الميتال أو الروك. تتخذ هذه الأنواع ألحانًا ذات وتيرة سريعة وشديدة، وتستخدم كلمات ذات دلالات قوية، وتعبِّر عن مشاعر كثيفة كالجنون والغضب والخشونة. بالتالي، يرى بعض الباحثين أن ميزات هذا النوع من الموسيقى كفيلة بتخليص الأشخاص من توترهم وغضبهم ومشاعرهم السلبية في حال الاستماع لها.
كما يضيف الباحثون أن هذا النوع من الموسيقى قد يكون مفيدًا في إشعار الأشخاص بالتواصل والتضامن العاطفي والمواساة، من خلال إحساسهم بأنهم ليسوا وحيدين في مُستنقع الاكتئاب لحظة إنصاتهم لموسيقى تنبعث منها أحاسيس قوية وجياشة.
موسيقى الإيقاع
أوضحت البحوث أن الاستماع للموسيقى الإيقاعية بموازاة التمارين الرياضية يمكن أن يكون له تأثير نافع على الحالة النفسية للفرد. تساعد الموسيقى الإيقاعية على رفع المزاج وتحفيز الحركة والنشاط الجسدي، في ظل فتور الهمة والطاقة الذي يعتبر أحد الأعراض الرئيسية للاكتئاب. ومع ذلك، من الممكن لهذه الموسيقى تحقيق شعور من الراحة عبر ثني العقل عن الأفكار السلبية الكامنة، مما قد يعطيه إحساسًا بالهدوء.
ما هي الموسيقى التي يمكن أن تزيد أعراض الاكتئاب؟
ترتبط الموسيقى صاحبة النسق البطيء بانخفاض مستوى المزاج لدى المستمع. كشفت إحدى الدراسات عن وجود علاقة بين الاستماع لموسيقى الحنين أو الموسيقى المتوترة أو الحزينة، وبين الزيادة في أعراض الاكتئاب لدى أفراد العينة المشاركة.
وتوصلت النتائج البحثية لوجود نشاط مرتفع في الجهاز العصبي السمبثاوي لدى المشاركين، بعد الاستماع لعشر دقائق من الموسيقى المتوترة والحزينة. وبالتزامن مع ذلك، أدى استماع المشاركين للموسيقى المبهجة إلى تحقيق نتائج إيجابية تمثلت بانخفاض في آثار الاكتئاب والقلق.
ما الكيفية الصحيحة للاستماع للموسيقى؟
إليك مجموعة من القواعد الرئيسية التي بتطبيقها يمكنك الاستماع للموسيقى بصورة ممتعة وفعّالة في مواجهة الاكتئاب:
• التركيز باللحن: تشبه الألحان المسألة الحسابية التي على الدماغ الانغماس فيها ليحلل أجزائها ومتغيراتها وصولًا للنتيجة المرجوّة منها. الدماغ يتفاعل جيدًا مع اللحن الموسيقيّ، ومن خلال القشرة السمعية يقوم بتحليل الأصوات الموسيقية التي يستقبلها بالنظر لعدة عوامل؛ كالترددات، والمدة، وشدة الصوت، والتوقيت، والإيقاع. إلى حين فهمه تفاصيل المقطوعة المسموعة وتجميعها معًا لتكوين تجربة موسيقية فريدة وممتعة.
• درجة الصوت: لا يعني أن عليك التركيز باللحن، أن تقوم برفع الصوت لحدِّ تعريض أذنيك للأذى. وعوضًا عن ذلك، تواجَد في بيئة هادئة تتيح لك الإنصات للموسيقى بتركيزٍ عالٍ والتمتع بالتفاصيل الدقيقة للمقطوعة الموسيقية دون الحاجة لزيادة درجة الصوت. والتزم بنطاق الصوت الآمن الذي يوفره لك جهازك.
• جودة الصوت أو وضوحه: لا يستطيع دماغك أن يعيش تجربة موسيقيّة فريدة ويحلل الألحان بكفاءة إذا كان الصوت حادًا أو مشوشًا أو غير واضح. اختر سماعات رأس تتميز بصوت فائق الجودة بما يترجم لك النغمات الموسيقية مثلما هي.
• تكرار الاستماع للمقطوعة: ذكرنا آنفًا أن الدماغ يتفاعل بشدة مع الألحان؛ ولكنه لا يتفاعل مع الألحان المكررة والمألوفة عليه. وبالتالي، تقل استجابة المخ لها وينخفض عندئذ مستوى المتعة؛ لذا قم بتنويع المقطوعات الموسيقية التي تستمع لها، ولا تُنشِئ ارتباطًا عاطفيًا مع المقطوعة أو مؤلفها أو مؤدِّيها، واجعل ارتباطك ذهنيًا ونابعًا من انجذاب الدماغ تجاهها.
استمِع لطبيبك
لا تعطي الموسيقى حلولًا سحرية في مسألة علاج الاكتئاب؛ ولكنها أداة فعالة من ضمن مجموعة أدوات للتغلب على هذا المرض. ما يعني أن الاستماع للموسيقى وحده لا يمكن أن يشكل علاجًا كافيًا للاكتئاب خاصة في مراحله المتقدمة. قد يحتاج الأشخاص للقيام بمنهجية شاملة والحصول على إرشادات من الأطباء أو المعالجين النفسيين، والتنويع في العلاجات في سبيل التخلص الكامل من الاكتئاب.
○ عمِّم/ي الفائدة:
المراجع:
(1) Learning About Your Mental Health From Your Playlist? Investigating the Correlation Between Music Preference and Mental Health of College Students, National Library of Medicine (NIH) website
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC9072654/
(2) Music Use for Mood Regulation: Self-Awareness and Conscious Listening Choices in Young People With Tendencies to Depression. National Library of Medicine (NIH) website
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6542982/
(3) [Effects of Different Genres of Music on the Psycho-Physiological Responses of Undergraduates], National Library of Medicine (NIH) website
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/27900748/
(4) Psychophysiological effects of rhythmic music combined with aerobic exercise in college students with minimal depressive symptoms. National Library of Medicine (NIH) website
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/36600976/