يمثل فقدان البصر أحد المخاوف الصحية التي تواجه الإنسان، فالبصر إحدى الحواس المهمة لأجسامنا، ومن خلالها نستطيع اكتشاف ما حولنا من عوالم متعددة، وبها يسهُل علينا التحرك والتواصل والتعلم والعمل وتفادي الأخطار الوشيكة.
وللمحافظة على هذه الامتيازات التي تمنحنا إياها حاسة البصر، يلزمُنا التعرف على أنواع المخاطر الّتي قد تصيب العين وتسلبها فاعليتها ودورها وتؤدي بالنهاية لفقدان البصر، وكذلك العمل على درء تلك المخاطر.
أسباب فقدان البصر
تنقسم أسباب فقدان البصر إلى 3 أقسام؛ هي الأمراض المُعدية، والأمراض العضوية غير المُعدية، والإصابات:
الأمراض العضوية
من الأمراض العضوية غير المعدية التي يمكن أن تؤدّي لفقدان البصر ما يلي:
• الأخطاء الانكسارية: وتتنوع ما بين قصر النظر وطول النظر والاستجماتيزم، والتي تحِدّ من وضوح الرؤية وقد يؤدي إهمال تصحيحها إلى فقدان أو ضعف البصر. هنالك 671 مليون شخص في العالم يعانون من فقدِ أو ضعف الرؤية بشكل كلي أو جزئي بسبب الأخطاء الانكسارية.
• إعتام عدسة العين: السبب الأول للعمى في العالم، وهي حالة تصبح فيها عدسة العين غائمة أو ضبابية ويتدنى معها وضوح الرؤية بوتيرة تدريجية. يوجد قرابة 100 مليون فرد على مستوى العالم مصابون بالعمى أو ضعف البصر نتيجة لإعتام عدسة العين.
• اعتلال الشبكية السكري: حالة ناجمة عن داء السكري تتسبَّب بتلف الأوعية الدموية في الشبكية. وإذا ما عولِجت العين المصابة على الفور، ستخسر قدرتها على الإبصار. ولذلك، تشير الإحصائيات لوجود 4 ملايين إنسان على وجه الأرض يعانون من ضعف الرؤية أو فقدان البصر إثر إصابتهم باعتلال الشبكية السكري.
• الزَرق (الجلوكوما): اضطراب في العين يُحدث تلفا بأنسجة العصب البصري بفعل ارتفاع ضغط العين. الجلوكوما مسؤولة حاليًا عن إصابة حوالي 8 ملايين فرد بفقدان البصر أو ضعف الرؤية.
• الضمور البقعي المرتبط بالعمر (AMD): يؤثر على مركز الشبكية؛ مما يسبب فقدان الرؤية المركزية اللازمة لإبصار التفاصيل الدقيقة. وفي الحقيقة، ثمة 8 ملايين شخص في العالم فقدوا بصرهم أو جزءًا منه تبعًا لإصابتهم بالضمور البقعي.
• سكتة دماغية: قد يحدث نقص في تدفق الدم إلى أجزاء الدماغ المسؤولة عن الرؤية؛ مما ينتُج عنه فِقدان كلي أو جزئي للبصر.
الأمراض المُعدية
قد تتسبب الأمراض المعدية في إصابة المرء بفقدان البصر، وتتمثل بما يأتي:
• داء المُقوَّسات (Toxoplasmosis): أو داء البلازميات السمية، ومن أشكاله داء المقوسات العيني (Ocular toxoplasmosis). يؤدي إلى التهاب الشبكية في الجزء الخلفي وقد ينتهي بالعمى إذا لم يتم علاجه. يحدث داء المقوسات جرّاء التقاط جسم الإنسان لطفيلي يسمّى Toxoplasma gondii، وينتقل للجسم عن طريق شرب الماء الملوث أو تناول اللحوم غير المطهوة جيدًا والتي تحتوي هذا الطفيلي، أو ملامسة براز القطط المصابة بهذا الطُفيليّ.
• الحصبة الألمانية: تؤدي إصابة الأم بالحصبة الألمانية في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل إلى متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية (CRS). مع ذلك، تعدّ هذه المتلازمة سببًا رئيسيًا للعمى والصَمَم وأمراض القلب والتأخر العقلي. بحسب التقديرات، فإن هناك نحو 100 ألف طفل يتأثرون بهذه المتلازمة سنويًا على مستوى العالم.
• الهِربِس النُطاقي (Shingles): عدوى فيروسية تشكّل طفحًا جلديًا مؤلمًا، وقد تؤدي إلى التهاب العصب البصري، ويمكن أن تسفر في المحصلة عن فقدان الرؤية الكلية.
• مرض الزُّهري (Syphilis): ينشأ عن بكتيريا معروفة باسم Treponem pallidum، وهو أحد الأمراض المنقولة جنسيًا. يؤثر المرض على مختلف أعضاء الجسم بما فيها العين، مسبِّبًا تغيرات في الرؤية قد تمتد حتى فقدان البصر.
• داء النَّوسَجات: عدوى فطرية يسببها فطر اسمه Histoplasma capsulatum، ينتقل لجسم الإنسان عبر استنشاق الأبواغ الموجودة بالهواء والتربة الملوثة. قد يؤدي هذا الفطر إلى تلف الأنسجة والعمى؛ خاصة بالنسبة للذين يواجهون نقصًا في المناعة.
الإصابات
عليك بحماية عينيك من الإصابات، فهي كفيلة بتعريض العينين للضعف وحتى فقدان البصر، ومن أمثلة الإصابات الآتي:
- التعرض للسموم
- مفرقعات وألعاب نارية
- السقوط والاصطدام
- الضربات
- الحروق الكيماوية
- التعرض الزائد والمباشر للأشعة فوق البنفسجية
- النظر مباشرة إلى أضواء ساطعة أخرى مثل اللِحام
قد تعرِّض هذه الإصابات العينَ للتمزق أو الكدمات أو النزيف أو انفصال الشبكية؛ مما يعمل على إلحاق الضرر وحتى التلف الدائم بالعين.
إحصائات حول حالات فقدان البصر المختلفة
في عام 2020، تمّ تسجيل 1.1 مليار حالة لأشخاص يعانون من مشاكل في البصر، والتي تشمل ضعف البصر أو العمى. وتوزعت الحالات على النحو الآتي:
- 43 مليون شخص عبر العالم يعانون من العمى، بنسبة انتشار تبلغ 0.5% من مجموع السكان العالمي.
- يعاني 295 مليون فرد من ضعف بصري متوسط إلى شديد، مع نسبة انتشار تساوي 3.7% من إجمالي التعداد العالمي.
- يعاني 258 مليون شخص في العالم من ضعف بصر خفيف، بنسبة انتشار تعادل 3.3% من عدد السكان عالميًا.
- 510 مليون إنسان حول العالم مصابون بمشاكل الرؤية القريبة، مع معدل انتشار مقداره 6.5% من مجمل سكان العالم.
هذه الأرقام مرشحة للازدياد في المستقبل القريب. وفقا لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للوقاية من العمى (IAPB)، فمن المرجح أن ترتفع حالات فقدان البصر لتؤثر على 600 مليون شخص إضافي وذلك بحلول العام 2050 بنسبة زيادة تصل لـ 55%. تُعزي الوكالة هذه المشكلة إلى عاملَين رئيسيَين هما: الشيخوخة وتغيُّر نمط الحياة الذي يميل للخمول والتغذية غير الصحية.
العادات الضارة بالعين
بجانب الأمراض والإصابات الّتي قد تطال حاسة البصر، فإنَّ هناك عادات خاطئة قد يمارسها الفرد وتهدد سلامة بصره، ومن هذه العادات:
1. التدخين: العين أحد أجزاء الجسم التي تتأثر بالتدخين. يزيد التدخين فرصة إصابة العين بأمراض عديدة كالضمور البقعي وإعتام عدسة العين، ويمكن أن يؤذي التدّخين العصبَ البصري أيضا.
2. السهر وقلة النوم: لا شك أن النوم السيء يؤثر سلبًا على صحة العينين. عندما لا تحصل على نوم كافٍ أو عالي الجودة، فإن عيناك لا تحصلان على الوقت الكافي للراحة والتجدُّد. الأفراد الذين يفتقرون للنوم الجيد، تزداد لديهم احتمالية الإصابة بجفاف العين بنسبة 50% مقارنة بغيرهم ممن يحظون بنومٍ جيد.
3. سوء التغذية: في حالة عدم إدراج الخضار والفواكه ضمن نظامك الغذائي اليومي، فإنَّك تحرم نفسك من العناصر الغذائية المهمة لصحة العين كفيتامين أ وفيتامين سي وغيرهما، كما أنَّ تناولك للأسماك يصب في صالح عيناك على المدى البعيد لاحتوائها على أوميغا 3 الذي يحميك من ارتفاع ضغط العين.
4. فرك العينين: يتسم الجلد حول العينين بكونه حساس للغاية. لذا، فإن فرك العينين قد يقود لتمزق الأوعية الدموية الصغيرة الموجودة أسفل الجلد؛ ممّا يسبب بروز الهالات السوداء والانتفاخات. تم الربط بين فرك العينين المتكرر على مدى فترة زمنية طويلة، وبين الإصابة بحالة تدعى القرنية المخروطية (Keratoconus). تسفر هذه الحالة عن ترقق القرنية وفقدانها لشكلها الطبيعي، وهذا يؤدي بنهاية المطاف إلى رؤية مشوشة، وقد يصعُب تصحيحها بالكامل بواسطة العدسات اللاصقة أو النظارات.
5. التحديق الطويل بالشاشات الإلكترونية: تنبعث من الشاشات الإلكترونية ضوء يُعرف بالضوء الأزرق، وهو جزء من الطيف الضوئي المرئي وله طول موجي قصير؛ أي أنه يحمل طاقة عالية نسبيًا. قد يتسبب الإمعان المطول في الشاشات المختلفة التي تحمل ذاك الضوء، في إصابة العينين بالجفاف وضبابية الرؤية وسيلان العين. كما قد يقود ذلك لتعطيل دورة النوم الطبيعية والحدّ من إنتاج الجسم لهرمون النوم “الميلاتونين”؛ حيث إن الضوء الصادر يعزز الشعور بالانتباه واليقظة.
اقرأ أيضًا: إليك مخاطر الهاتف المحمول في مقال مستعجل
الإجراءات الوقائية لحماية البصر
ولأن درهم وقاية خير من قِنطار علاج، لنتأمل معًا مجموعة التدابير الوقائية التالية وغايتها تحصين العين من الأمراض العديدة وخطر فقدان البصر:
1. الفحص الدوري للعين: تساهم فحوصات العين الدورية في الكشف المبكر عن مشاكل البصر وأمراض العيون والصحة العامة قبل حتى أن تشعر بوجودها. يعني ذلك أن بعض الأمراض مثل الجلوكوما قد لا تترافق مع أعراض تنذر بوجود مشكلة إلا بعد فقدان البصر بشكل دائم.
2. ارتدِ نظارات شمسية: إن عدم ارتداء النظارات الشمسية يعرّض عينيك لأشعة الشمس كالأشعة فوق البنفسجية والأشعة المرئية عالية الطاقة، والتي لها مضار عدة على العين مثل شيخوخة العينين والجلد المحيط بها، كما قد يؤدي الإفراط بالتعرض لأشعة الشمس لإصابة السطح الأمامي للعين بحروق الشمس، بالإضافة لإصابة العينين بالجفاف والتهيج العام.
3. قلل من سطوع ومدة استخدامك للأجهزة الرقمية: يقود الاستخدام المزمن لجهاز إلكتروني معين إلى ما يُعرف بإجهاد العين الرقمي (Digital eyestrain)، وهي حالة تجلب معها الصداع والرؤية الضبابية وجفاف العين وإحمرارها. ولذلك، ينبغي عليك تخفيض سطوع جهازك الإلكتروني مع تقليل زمن استعمالك للجهاز.
4. أرِح عينيك: من ناحية أخرى، قم بأخذ فترات راحة منتظمة للعين عن طريق تحريك العينين في كافة الاتجاهات، مع تطبيق قاعدة 20-20-20 بالنظر كل 20 دقيقة إلى شيء يبعد عنك 20 قدمًا (6 أمتار) لمدة 20 ثانية. تساعدك هذه التقنية في التخفيف من إجهاد العين.
5. استخدِم وسائل الحماية: من المهم استخدام النظارات الواقية المخصصة لحماية العينين قبل القيام بأنشطة خطرة مثل اللِحام والحفر والتنظيف والسباحة، وما يتولد عنها من مواد كيماوية وغبار متطاير وشظايا قد تستقر داخل العين.
6. اشرب قدرًا كافيًا من الماء: احرص على شرب الكمية اللازمة من الماء يوميًا، والبالغة لترين أو 8 أكواب، مع اتباع نظام غذائي غني بالصوديوم؛ لتمكين العين من إنتاج كمية كافية من الدموع لترطيبها وحمايتها من الجفاف.
7. الابتعاد عن المواقف الخطيرة: على غرار المشاجرات العنيفة والتراشق بالحجارة وإطلاق المفرقعات، والتي قد تُلحِق بالشخص إصابة تؤدي للإضرار بالعين، أو حتى فقدان البصر في إحدى العينين أو كلتاهما. لذلك، عليك بعدم الاقتراب من تلك المواقف الخطرة أو الانخراط بها.
خاتمة
في النهاية، من الضروري أن ندرك أهمية العين في أجسامنا والانتباه للعادات السلبية والأخطار المتنوعة التي تهددها، كمقدمة لاتخاذ سبل الوقاية المعتمدة من هذه الأخطار والتي قد تُفضي إلى تدهور الرؤية أو فقدان البصر التام.
○ عمِّم/ي الفائدة:
المراجع:
(1) Prevalence of eye signs in congenital rubella syndrome in South India: A role for population screening. National Library of Medicine website
https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC2095451/?fbclid=IwY2xjawGMy75leHRuA2FlbQIxMAABHTo2YC7OTca2ISoiAvvNw5Vdb2HTQeXujwPH7ij8T2QuYXIlmEL9aCRhLg_aem_wtOJgfVCekNOiZz-1Wefxg#:~:text=Maternal%20infection%20with%20rubella%20in,heart%20disease%20and%20mental%20retardation.&text=An%20estimated%20100%20000%20infants%20are%20affected%20each%20year%20worldwide
(2) 7 Bad Habits That Harm Your Eyes and Vision, Washington Eye Physicians & Surgeons website
https://www.washingtoneye.com/eye-health/7-bad-habits-harm-vision/?fbclid=IwY2xjawGMzDJleHRuA2FlbQIxMAABHUpqBPEmb4qKsbuvSjRPuKKfp6xSDgWUSupv4I33wwY_PiJVCl0kimIIiw_aem_JhBlvniuuxRnC4apx3isqw
(3) Sleep and Dry Eye Disease – What’s the Link?, Assil Gaur Eye Institute
https://assileye.com/blog/sleep-and-dry-eye-disease-whats-the-link/?fbclid=IwY2xjawGMzI9leHRuA2FlbQIxMAABHaGyVuhsnwDBrjsxa0ylc6jBQHDrn53pKL-T4ZBOOgYIwL6AllTGwJkeew_aem_9HojqE_uIRbnB3c0fWHV3w#:~:text=Individuals%20with%20poor%20sleep%20quality,production%20or%20poor%2Dquality%20tears
(4) Digital Devices and Your Eyes, American Academy of Ophthalmology website
https://www.aao.org/eye-health/tips-prevention/digital-devices-your-eyes?fbclid=IwY2xjawGMzQRleHRuA2FlbQIxMAABHXCtZdTXpz8nXdWb5xtvG3l_quL9PWTPVPJCEE67g34jR0haqdO_XLV9og_aem_92mR1qPT0ckgfbfMh8xp4A
(5) What Is Toxoplasmosis?, American Academy of Ophthalmology
https://www.aao.org/eye-health/diseases/what-is-toxoplasmosis?fbclid=IwY2xjawGMzX1leHRuA2FlbQIxMAABHXCtZdTXpz8nXdWb5xtvG3l_quL9PWTPVPJCEE67g34jR0haqdO_XLV9og_aem_92mR1qPT0ckgfbfMh8xp4A#:~:text=Ocular%20toxoplasmosis%20causes%20inflammation%20of,blurred%20or%20reduced%20vision