محور الدماغ – الرئة.. تواصُل مباشر قد يؤثر على صحتك

توضيح لجسم الإنسان والإضاءة على الرئة والدماغ

يشير مفهوم محور الدماغ والرئة (The brain–lung axis) إلى وجود تواصل ثنائي الاتجاه بين المخ والرئتين. فالتنفس مثلا، لا يقتصر على إدخال الأكسجين لرئتيك، بل يبعث بإشارات عصبية نحو دماغك، والعكس صحيح. 

في الحقيقة، ثبت أن أنماط التنفس تؤثر على صحة الدماغ، فالتنفس البطيء، كما نعرف، يساعدنا على تحقيق الراحة والاسترخاء الذهني؛ بينما يمكن أن يثير التنفس السريع مشاعر القلق. علاوة على ذلك، يعزز العصب المبهم (العصب الرئوي المعدي) هذا التواصل المِحوري؛ إذ ينقل معلومات سريعة من الرئتين إلى المخ، وينظم التفاعل الالتهابي في الرئتين والدماغ عبر النواقل العصبية مثل الأستيل كولين. 

مسارات التواصل بين الرئة والدماغ

تتواصل الرئة والدماغ سوية عن طريق بضع قنوات، وهي:

● المسار العصبي

تُعدّ الأعصاب من أبرز مسارات التواصل بين الرئتين والدماغ. ضمن هذا المسار، يستلم العصب المبهم (Vagus nerve) إشاراتٍ حسية من الرئتين ثم ينقلها إلى مراكز المخّ لتوجيه طريقة عمله. كما تلعب الأعصاب الحسية الأخرى دورًا في هذا التواصل؛ حيث تستشعر تغيّرات في الرئة فتعمل فورًا على تفعيل دوائر عصبية معينة في الدماغ يَنتُج عنها أعراض جسدية ونفسية. في ذات السياق، تشير الدراسات إلى أن تحفيز هذه المسارات العصبية من شأنه خفض الالتهابات الحاصلة على مستوى الجهازين التنفسي والعصبي.

● المسار المناعي

من ناحية أخرى، يمثل جهاز المناعة قناة تواصل أخرى بين الرئتين والدماغ. فعند إصابة الرئتين بعدوى أو التهاب، تستجيب خلايا المناعة لهذا الالتهاب بإفراز جزيئات بروتينية تسمّى “سيتوكينات” تنتقل عبر الدم إلى الدماغ لتنظيم آلية التعافي. في المقابل، وُجد أن هذه البروتينات تستطيع عبور الحاجز الدموي-الدماغي (BBB). وإذا كان عبورها بكميات كبيرة، فقد تتسبب بالتهاب عصبي وانخفاض في الوظائف الإدراكية. على سبيل المثال، تظهر زيادة في مستويات السيتوكينات الالتهابية (Inflammatory cytokine) في الدماغ بعد حالات رئوية حادّة، ويرجّح الخبراء أن هذا التدهور يعزى إلى نشاط مناعيّ مفرط صادر من الرئتين. وبهذا الشكل، تساهم الاستجابة المناعية في الرئة في تنبيه الدماغ وبالعكس؛ مما يفتح الباب لابتكار علاجات متكاملة تهدف لدعم أوضاع المرضى في الحالات ذات الصلة.

● المسار الميكروبيولوجي

على غرار الأمعاء، تتألف الرئتان من مجتمع من الميكروبات متعددة النوع والسلوك، ويمكنها أن تؤثر بشكل أو بآخر على الدماغ أيضًا. فقد اكتشف العلماء أن ميكروبيوم الرئة قد يكون ضليعًا في نشوء أمراض مناعية عصبية كالتصلب المتعدد (MS). وبحسب الأبحاث، يمكن للبكتيريا من نوع (LPS) أن تخترق الحاجز الدموي الدماغي وتصل للدماغ عبر الدم؛ مما يؤدي إلى تطوير مرض التصلّب اللويحي. بالتالي، يجوز القول إنَّ ميكروبات الرئتين تشكل خط تواصل بين الرئة والدماغ، وتؤثر على الجهاز العصبي سواءً بانتقالها المباشر إلى المخ، أو بإحداثها لاستجابات مناعية تنعكس على الدماغ بصورة غير مباشرة.

——- Ad ——-

——- Ad ——-

قائمة بالأمراض المرتبطة بمحور الرئة والدماغ

ثمة بعض الأمراض التي يُنسب حدوثها إلى محور الرئة والدماغ، وهي:

1. الربو

في كثير من الأحيان يتصاحب داء الربو مع ظهور أعراض عصبية كقلة الانتباه والتوتر والقلق واضطرابات النوم؛ مما يشير لتفاعل الدماغ مع الربو ووجود تواصل رئوي دماغي ناتج عن الالتهابات الرئوية المتكررة، التي ترسل إشارات للدماغ ومواقعه المسؤولة عن اليقظة والمزاج. وفي المقابل، قد تقود مشاعر القلق والتوتر الصادرة عن الدماغ إلى تضيُّق القصبات والشعب الهوائية وحصول نوبات ربو.

اقرأ أيضًا: أنبوب المباعدة (spacer) لتحسين استنشاق البخاخات

2. الالتهاب الرئوي الحاد

ينشأ الالتهاب الرئوي عن مجموعة من المايكروبات مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات التي تعمل على إصابة الرئتين بالالتهاب. أكدت الأدلة أنه في مثل هذه الحالات يمكن لبكتيريا الرئتين أن تخترق حاجز الدم الدماغي، وتؤدي للإخلال بتوازن المخ وتشكيل أعراض عصبية مثل تشوش الدماغ أو ضباب الدّماغ.

3. الاكتئاب

يؤثر ضعف عمل الرئة على الصحة النفسية للإنسان، ففي دراسة كشفية ضمت أكثر من 280 ألف شخص، خضعوا لفحص وظائف الرئة، فبينت النتائج أن ضعف وظائف الرئة من شأنه زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب. بصريح العبارة، يؤدي ضعف نشاط الرئة إلى تقليل كمية الأكسجين الواردة والتي يمكن للدماغ الاستفادة منها لأداء وظائفه. كما أن تراجع العملية التنفسيّة يؤثر على جوانب الحركة والتواصل والكلام الضرورية في تحسين المزاج.

4. إصابات الدماغ الرضحية

عند تعرض الدماغ لإصابة قوية، قد تحدث مضاعفات رئوية حادة مثل الوذمة الرئوية العصبية، ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة، والالتهاب الرئوي المرتبط بجهاز التنفس الاصطناعي. يعود ذلك إلى تفعيل دماغ الشخص المصاب لإشارات عصبية شديدة تؤثر على وظيفة الرئتين.

5. السكتة الدماغية

يواجه مرضى السكتة الدماغية خطر الإصابة بالتهاب رئوي بنسبة قد تصل لـ 10% من عدد الإصابات المسجلة. إضافة لذلك، يُعتبر الالتهاب الرئوي عاملا حاسمًا في الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية بمعدل ثلثي الحالات المرصودة. 

خاتمة

في النهاية، يتيح لنا فهم محور الدماغ–الرئة رؤىً طبية مهمة لعلاج أمراض الجهاز العصبي والجهاز التنفسي. بما يؤهلنا لخلق استراتيجيات علاجية جديدة تركز على تعديل الاستجابة المناعية أو توازن الميكروبات وتقليص الأضرار التي قد تلحَق بكِلا الجهازين. وبوجه عام، يؤكد الباحثون على أهمية تسليط الضوء على الارتباط الوثيق بين الرئتين والدماغ بغرض الوقاية والعلاج من الأمراض الصدرية والعصبية على حد سواء.

○ عمِّم/ي الفائدة:


المراجع:

(1) Huang, S., Zhou, Y., Ji, H. et al. Decoding mechanisms and protein markers in lung-brain axis. Respir Res 26, 190 (2025).

(2) Wang, Y., Mou, Y. K., Wang, H. R., Song, X. Y., Wei, S. Z., Ren, C., & Song, X. C. (2023). Brain response in asthma: the role of “lung-brain” axis mediated by neuroimmune crosstalk. Frontiers in immunology14, 1240248.

(3) Chen, J., Li, T., Ye, C., Zhong, J., Huang, J. D., Ke, Y., & Sun, H. (2023). The Lung Microbiome: A New Frontier for Lung and Brain Disease. International journal of molecular sciences24(3), 2170.

(4) Ma, Q., Yao, C., Wu, Y., Wang, H., Fan, Q., Yang, Q., Xu, J., Dai, H., Zhang, Y., Xu, F., Lu, T., Dowling, J. K., & Wang, C. (2023). Neurological disorders after severe pneumonia are associated with translocation of endogenous bacteria from the lung to the brain. Science advances9(42), eadi0699.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top