خلال عملية الجماع بين الرجل والمرأة، يتم إيداع السائل المنوي في المهبل، ليستهل بعدها السَّائل المنوي مشوارهُ داخل الجهاز التناسلي الأنثوي. فما هو مسار المَنيْ في الأعضاء التناسلية الأنثوية، وكيف يتفاعل مع بيئته الجديدة؟
مكونات السائل المنوي
قبل استكشاف رحلة المني في الجِّهاز التناسلي الأنثوي، فلنتعرف أولا على مكونات السائل المنوي. يساعدنا ذلك في فهم كيف يؤدي كل مكوِّن دورًا في إبقاء الحيوانات المنوية على قيد الحياة وضمان بلوغها البويضة:
1. الحيوانات المنوية: هي خلايا تناسليّة ذكرية مهمتها تخصيب البويضة. وتسمى كذلك بالنُطاف أو الخلايا المنوية.
2. سوائل الحويصلات المنوية: تشكّل النسبة الأعلى من حجم السائل المنوي، وتحتوي على الفركتوز الذي يغذي الحيوانات المنوية.
3. سوائل البروستاتا: سوائل تفرزها غدة البروستاتا، تشتمل على حمض الستريك وإنزيمات ومواد أخرى تساهم بتعزيز حركة الحيوانات المنوية داخل الأعضاء التناسلية الأنثويّة.
4. سائل غدد كوبر: تفرز غدد كوبر سائلًا قلويًا من أغراضه تحييد الأحماض الضارة بالمني والتي تغلب على بيئة المهبل؛ مما يمنح الحيوانات المنوية الظروف المناسبة للاستدامة والمضيّ في بيئتها الثانية.
كما يضم السائل المنوي في تركيبته نسبة ضئيلة من المعادن كالزنك، البوتاسيوم، والكالسيوم، بالإضافة إلى البروتينات والفيتامينات مثل دي، سي، وبي12.

مسار السائل المنوي داخل الجهاز التناسلي الأنثوي
يمرّ السائل المنوي بعدة محطات منذ القذف وحتى خروج بقاياه من جسم الأنثى على شكل إفرازات. إليك هذه المحطات بالترتيب الزمني ومجرياتها:
1. المهبل
يعتبر المحطة الأولى في رحلة السائل المنوي داخل الجّهاز التناسلي الانثوي؛ حيث تترسب الحيوانات المنوية في هذا الجزء ذو الحموضة العالية والقاسية. هنا، قد تفتك حموضة المهبل الشديدة ببعض النطاف إذا لم تنتقل للمحطة التالية بسرعة. لكن، يلعب عنق الرحم بإفرازاته المخاطية دورًا في تسهيل حركة الحيوانات المنوية إلى الأمام.
2. عنق الرحم
يمثل محطة العبور التي يعبر منها السائل المنوي نحوَ تجويف الرحم. ويهيء أمر عبوره المخاطُ الذي يحتويه عنق الرحم ويمكّن الخلايا المنوية من المرور، ويكون العبور أكثر يُسرًا خلال مرحلة الإباضة حين يكون المخاط أكثر سيولة. يُذكر أنَّ المُخاط قد يصفي بعض المكوِّنات الصغيرة للسائل المنوي أثناء مروره؛ بما فيها النطاف ذات المظهر والحركة الضعيفة ما يعيق تقدمها.
3. تجويف الرحم
عندما تصل الحيوانات المنوية السليمة إلى هذه المنطقة، فإنها تسبح نحو قناتي فالوب، وتعزز الانقباضات العضلية الرحميّة عملية مرورها. قلة قليلة منها فقط تستطيع الوصول إلى المحطة القادمة، وغالبية الحيوانات المنوية لا يحالفها الحظ بالوصول لقناة فالوب؛ فإما أن تلتصق بجدار الرحم، أو تتوقف في الطريق بسبب المعيقات والمسافة الطويلة.
4. قناتا فالوب
تستغرق النطاف للانتقال بين المَهبل وقناة فالوب مدة أقصاها خمس ساعات. وهنا، يجري تخزين السائل المنوي (الحيوانات المنوية الناجية) في مستودعٍ تحافظ به النُطَف على خصوبتها بتفاعلها مع الظهارة البوقية الداخلية (Endosalpingeal epithelium)، قبل أنْ تستأنف مشوارها عبر القناتين في مسعاها للوصول إلى البويضة. يُشار إلى أن الحيوانات المنوية تتفاعل مع الأمبولة (الثلث الخارجي من قناة فالوب)؛ حيث تبدأ عمليّة الإخصاب في هذا الجزء بالتحديد.
5. البويضة
وهي المحطة الأخيرة من رحلة الحيوانات المنوية؛ إذ تتوجه لها بفعل مزيج من الجذب الحراري والجذب الكيميائي. وما إنْ تقترب النطاف من البويضة، حتى يبدأ الكثير منها بمحاولة اختراقها. لكن وكما هو معلوم، هنالك حيوانٌ منويٌّ واحد محظوظ ينجح باختراقها وتخصيبها. أما بقية الحيوانات المنوية، فإنها تصطدم بعوائق تمنع تعدد التخصيب وهي ممثلة بآلية التفاعل القشري (Cortical reaction)، التي تغيّر البنية الكيميائية للغلاف المحيط بالبويضة فور دخول أول حيوان منوي إليها.

ما مصير مكونات السائل المنوي المتبقية؟
تستمر النطاف الباقية على قيد الحياة لغاية 5 أيام داخلَ أجزاء الجهاز التناسلي للأنثى. وبعد ذلك، قد يرصدها الجهاز المناعي الأنثوي ويبدي تفاعلا مناعيًا معها لاشتباهه في أنها عناصر غريبة؛ إذ تتخلص مناعة الأنثى من هذه النُطَف عن طريق ابتلاعها ومن ثم تصريفها عبر الإفرازات المهبلية.
أما بقية مكونات السائل المنوي كالبروتينات والإنزيمات والسكريات، فيتمّ امتصاصها أو تفكيكها بواسطة أنسجة الجهاز التناسليّ الأنثوي. وفي حالات أخرى، يجري إخراجها من المهبل بصورة إفرازات.

ما العوامل التي تؤثر على حركة الحيوانات المنوية؟
ثمة عوامل من شأنها الإضرار بصحة الحيوانات المنوية في الخصيتين؛ مما يؤثر بعدئذٍ على إمكانية تنقلها داخل العضو التناسلي الأنثوي:
1. اضطرابات الحيوانات المنوية: مثل اضطراب قلة الحيوانات المنوية (Oligospermia) ودوره في انخفاض عدد الحيوانات المنوية وتقليص حجم الاحتياطي المنوي الكفيل بتعويض الفاقد من النطاف في رحلتها. يضاف إليه اضطراب تشوُّه الحيوانات المنوية (Teratospermia) الذي يؤدي لزيادة عدد النطاف الشاذة والمشوهة؛ مما يُضعِف من سرعتها وقدرتها على التحرك داخل العضو التناسلي الأنثوي واختراق البويضة.
2. أمراض ذكورة وأخرى منقولة جنسيًا: قد تنشأ الحيوانات المنوية وسط بيئة غير صحية يستوطنها المرض مما يؤثر على نموها وجودتها وكفاءتها في تحدي الظروف الجديدة. من هذه الأمراض: دوالي الخصية، الكلاميديا، والسيلان.
3. بعض العقاقير: من جهة أخرى، تؤدي بعض الأدوية الموصوفة لحالات كضغط الدم والفشل القلبي وسرطان البروستاتا، إلى ظهور أعراض جانبية يمكن أن تؤثر بدورها على جودة الحيوانات المنويّة وقابليتها للحركة والصمود.
4. عوامل بيئية: تحيط بالفرد عوامل سلبية عديدة قد تضر بسلامة حيواناته المنوية؛ ومن ضمنها العادات مثل التدخين وشرب الكحول وتعاطي المخدِّرات، كما قد تتعرض الخصيتان لضربة مباشرة تُلحق الأذى بالحيوانات المنوية. بالتوازي مع ذلك، فإن بعض الممارسات قد تحمل نفس التأثير على النطاف كتعريض الخصيتين للحرارة العالية؛ سواءً بارتداء الملابس الداخلية الضاغطة، أو المكوث الطويل في حمامات الساونا أو أحواض المياه الساخنة.
اختبر جاهزية حيواناتك المنوية قبل الانطلاق
قبل الإقدام على خطوة كالإنجاب، اجرِ فحوصات طبية لحيواناتك المنوية للتأكد من سلامتها وعدم معاناتك من مشاكل في الخصوبة. تتضمن هذه الفحوصات؛ تحليل السائل المنوي والذي يكشف عن عدد الحيوانات المنوية وشكلها ومدى نشاطها.
من ناحية أخرى، هناك بعض الأساليب التي يمكنك بها تحسين جودة الحيوانات المنوية خاصتك:
- التقليل أو الامتناع عن المشروبات الكحولية.
- الإقلاع عن التدخين بأنواعه.
- اتباع نظام غذائي صحي وفير بالعناصر مثلَ الزنك والسيلينيوم وفيتامينات E ،C ،D.
- تأدية التمارين الرياضية بانتظام والحفاظ على وزن صحي.
- ضبط التوتر وممارسة تقنيات الاسترخاء.
خلاصة
تعدّ رحلة الحيوان المنوي داخل الجهاز التناسلي الأنثوي عملية طويلة ومُحكمة يتفاعل بها السائل المنوي مع الكثير من التقلبات. وباكتشافنا أطوارها، فإنها تمكننا من كشف علاجات لعدد من حالات الصحة الإنجابية؛ من قبيل تطوير طرق تشخيص العُقم وعلاجه باستخدام التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب، فضلا عن استحداث وسائل أخرى فاعلة لمنع الحمل.
○ عمِّم/ي الفائدة:
المراجع:
(1) Suarez, S. S., & Pacey, A. A. (2006). Sperm transport in the female reproductive tract. Human reproduction update, 12(1), 23–37.
(2) Bromfield, J. J (2024), Interaction of semen with female reproductive tract tissues: what we know, what we guess and what we need to do, SciELO
(3) Schjenken, J. E., & Robertson, S. A. (2020). The female response to seminal fluid. Physiological Reviews, 100(3), 1077–1117.
(4) Sperm, Cleveland Clinic, Retrieved 28 May, 2025
(5) Lawrentschuk, N., Ptasznik, G., & Ong, S. Benign Prostate Disorders, National Library of Medicine