تلعب الثقافة الاجتماعية أدوارًا متعددة في الحياة الصحية للإنسان، بما فيها الدور المرتبط بالحياة الجنسية، عبر تحديدها السلوكيات المقبولة وغير المقبولة مع الخوض بالمفاهيم ذات الصِّلة. مما يؤثر في النهاية على جودة العلاقة الجنسية ونتائجها.
وبالنظر لأن نوعية الحياة عامل رئيسي في الصحة العامة للفرد، فإنه من الضروري الانتباه لكافة الأسباب التي قد تعيق حصولك على حياة جيدة على صعيد الجنس؛ ومن ضمنها الثقافة الاجتماعية. تؤثر بعض الثقافات المجتمعية على نجاح العلاقة الجنسية من خلال عدة جوانب، وهي كما يلي:
التربية الجنسية
إنّ غياب التأسيس العلمي القائم على الجنس في بعض المجتمعات، قد يخلق معرفة محدودة تؤدي بالمرء لممارسات خاطئة عند الدخول بعلاقة جنسية مستقبلًا. ينجم ذلك عن افتقار الطفل للمعلومات اللازمة كالتشريح الجسماني والوظائف والبلوغ والحمل وسواها من الأساسيات.
من ناحية أخرى، تساهم التربية الجنسية في الوقاية من التحرش والاعتداء الجنسي على القُصّر. فعن طريق توعيتها الأطفال بماهية التحرش وسلبياته وصُوره المختلفة، فإنها تمكّنهم من اكتشاف التحرش لحظة حدوثه والتصدي الفوري له.
بالتوازي مع ذلك، تشكل تجارب الطفولة منطلقًا للإنسان في حياته وكيفية تطويره لعلاقاته وقراراته. قد يؤدي التحرش الجنسي في سن مبكرة لإصابة الضحية بأضرار جسدية ومشاكل نفسية وعاطفية تشمل اضطراب الهوية الجنسية. وصولًا لفقدان الضحية الثقة بالجنس الآخر أو صعوبة الوثوق به، وحتى بناء علاقات جنسية سليمة ومتكاملة.
ولهذا، يتسبب حظر المجتمع للنقاش بشأن الصحة الجنسية، في تعريض الأطفال لمخاطر جسدية ونفسية قد تصاحبهم حتى بلوغهم. ويمكن أيضًا أن تؤثر على قراراتهم بالنسبة للعلاقات الجنسيّة كالخوف من الزواج أو التجارب الجنسية مع شريك.
ويمكن للتكتم على المواضيع الجنسية أن يفضي إلى إنشاء صورة مخيفة عن الجنس. قد يدفع ذلك الطفلَ لتفادي استكشاف نفسه جنسيًا وعدم طرحه التساؤلات الجنسيّة الهامة حتى أثناء مرحلة البلوغ.
التوقعات
تتدخل ثقافة المجتمع في كيفية تصوُّر الأشخاص للعلاقات الجنْسية وتوقعاتهم حِيالها. فعلى سبيل المثال؛ يتوقع من الأفراد في بعض الثقافات أن يتزوجوا في عمرٍ محدد مثل العشرينيات، وهذا قد يؤثر على طبيعة اختيارات الأفراد لشركائهم ومدى ملائمتها لتفضيلاتهم الشخصية. وقد يؤثر فيما بعد على حجم الترابط العاطفي والجنسي بين الشريكين.
وقد تمارس نفس المجتمعات ضغوطًا معينة على أبنائها وخاصة الإناث بشأن الاختيارات الجنسية، والشركاء المحددين اللازم أن يواصلوا حياتهم معهم. يزيد هذا من صعوبة العلاقة الجنسية التي تكاد تفقد أساسها الذي يقوم على التراضي. ما قد يشكّل وضعًا مستمرًا من التوتر والصراع والنزعة للانفصال.
ثم قد ينخفض مستوى الثقة والأمان بين الشريكين إذا كانا يعيشان في مجتمع تشير ثقافته لجواز تعدد الشركاء الجنسيين. وقد يَنشئ عنه حالة من الخوف والقلق والتردد حول الدخول بعلاقة جنسية أو عدم الاقتناع بجدواها، خوفًا من خيانة وشيكة أو محتملة. ونتيجة لذلك، قد تختل الحياة الجنسية ويقل مردودها ونفعها على الشخص.
الأدوار الجندرية في العلاقة الجنسية
من جهة أخرى، تهتم الثقافة المجتمعية بتصوير الجنس على هيئة سيناريو ثابت وأفكار قطعية وأدوار مُحكمة. توصِل بعض المجتمعات إلى أذهان أفرادها فكرة أن الرجال هم أكثر ولعًا بالجنس من النساء، ما قد يسفر عن فهمٍ خاطئ لاحتياجات الشريك الفعلية وتجاهُل تحقيقها. وعدمَ إيفائه رغباته الجنسية بالكامل.
كما تفترض بعض الثقافات أن الرجل هو الطرف صاحب السلطة الجنسية والمُلزَم بتحديد موعد بدء العلاقة وإدارتها وتسيير أطوارها واختتامها. وفي المقابل، يعتبر من المُخجل أو غير المقبول أن تكون المرأة هي التي تتخذ المبادرة أو تتولى القيادة أو تلعب جزءًا من ذاك الدور. يحرِم هذا التوزيع غير العادل في الأدوار المرأةَ من حقها بالتعبير عن شهوتها وساعة رغبتها بخوض علاقة تلبّي حاجتها.
تتعمق الثقافة الاجتماعية أكثر لتدخل غِمار العلاقة الجنسية وتفرض على الشركاء السلوكيات المسموحة والمرفوضة أثناء ممارسة الجنس. تتركز هذه السلوكيات ضمن النساء ويتم توليدها بتنشئة الفتيات الصغيرات على سمات التحفظ، بحيث يكنَّ ملزمات بعدم التعبير عن أنوثتهن أمام الذكور قبل مرحلة الزواج. مع عدم التواصل بأي شكل مع الجنس الآخر، وانتظار أن يبدأ التواصل من جهة الرجل وعبر أطر وحدود بعينها.
وبالتالي يصبح من الصعب لهذه المطالب المتكررة أن تتلاشى من ذهن الفتاة حتى مع حلول الزواج. تبقى راسخة في الوعي الباطن للمرأة وقد تستحضرها أثناء العلاقة، وتتجلى بأن تكون المرأة مرتبكة بخصوص نشاطها الجنسي مع زوجها، ومترددة في أداء سلوكيات طبيعية مثل التأوُّه أو فرك المهبل أو تغيير الوضعية أو القيام بحركات إغراء؛ لاعتقادها الباطن أنها تتعارض مع صفات الحذر والتحفظ التي نشأت عليها. وفي الوقت الذي يعدّ الجنس وسيلة لتفريغ التوتر، تجد المرأة نفسها عرضة للتوتر والقلق والخوف.
التعبير عن الجنس
في بعض المجتمعات يحق للرجل أن يعبِّر بصراحة شديدة عن رغباته الجنسية وميوله الفطرية نحو النساء، بينما يكون من الخطأ أن تعبِّر المرأة عن مشاعر مشابهة. حتى وإن كان على شكل إعجاب برجل وسيم شاهدته في مكانٍ ما.
مع هذا الفارق الكبير في قدرة كل من الرجال والنساء على التعبير عن رغباتهم الجنسية، قد ينخفض التواصل العاطفي بين الشريكين ويتعذر عليهما فهم بعضهما البعض والتوافق على احتياجاتهما المتعلقة بالجنس. مما يهدد نجاح العلاقة الجنسية.
كيف يمكن الحدّ من تأثير القيم الثقافية على العلاقة الجنسية؟
من الممكن تقليل الآثار السلبية للثقافة الاجتماعية على الصحة الجنسية بواسطة الأساليب التالية:
1. التعليم الجنسي
لا ينبغي أن يكون التعليم الجنسي حكرًا على البالغين. من الضروري إشراك الأطفال بتعلُّم أساسيات التربية الجنسية بالشكل الذي يتناسب مع عمرهم ودرجة استيعابهم. على الأهل تولي هذه المهمة قبل المدرسة، بحيث يتناول هذا التعليم موضوعاتٍ مثل الأعضاء التناسلية والتغيرات الجسمانية وغيرها. وعلى المعنيين كذلك تشجيع النقاش وطرح الأسئلة حول الجنس.
يعطي ما سبق الأطفالَ فهمًا أعمق لأنفسهم وأجسادهم ويمكّنهم من تقوية مهاراتهم الاتصالية. فضلاً عن تعزيز احترامهم لذواتهم ووعيهم بمحيطهم وحماية أنفسهم من الأخطار الجنسية الممكنة.
يتعين على البالغين كذلك مراجعة حصيلتهم المعرفية من الجنس، واكتساب المزيد من المعلومات المماثلة. وبالذات أولئك الذين لم يتلقوا تعليمًا جنسيًا في مراحل حياتهم السابقة، بهدف تحسين جاهزيتهم للدّخول في علاقات حميميّة والتواصل الجنسي الفعال مع شركائهم.
2. الوعي الذاتي
عليك أن تكون على دراية جيدة بنفسك واحتياجاتك الفطرية وأن تسعى جاهدًا لتحقيق متطلباتك الجنسية بشكلٍ مُرضٍ. مع تجاوز القلق بشأن الإفصاح عن الحاجات الجنسية أو دعوة الشريك لإشباعها.
ثم إنَّه من المهم للشركاء التخلص من الأفكار والتوقعات المسبقة التي تؤطر العلاقة وتُفقدها زخمها ومحاسنها، والتي تحدد الشكل الصارم الذي يلزم أن تظهر عليه العلاقة الجنسية. يساعدك ذلك على فتح الباب أمام تجارب جديدة ومثيرة وغير مملة وذات طابع فريد.
3. الشعور بالمسؤولية تجاه الشريك
الجنس علاقة تستند على الرضا المتبادل؛ ولذلك يجب على طرفيها أن يكونا على استعدادٍ تام لسماع بعضهما البعض، مع إتاحة المجال للشريك لإبداء رغباته وحثه على البوح بما يُشعره بالرضا من عدمه. وحرص كل طرف بالنهاية على تلبية رغبات شريكه ومنحهِ حقهُ كاملًا من الجنس.
هذا النوع من الاتصال الإيجابي يساهم في تكوين بيئة جنسية سليمة تعود بالنفع على كِلا الشريكين. تتمحور حول تفهُّم الطرفين لاحتياجات بعضهما وسعيهما لتطوير نفسيهما في جوانب معينة؛ الأمر الذي يحسّن من قدرة كل شريك على إرضاء الآخر مع مرور الوقت.
هل تستحق العلاقة الجنسية كل هذا الاهتمام؟
أجل، فالجنس ليس مجرد تجربة رفاهية تدوم لدقائق؛ إنه عملية ضرورية لصحة الجسم أيضًا. وإذا ما تم تطبيقها على النحو اللائق فإنها تنقل إليك العديد من الفوائد الصحية؛ تتضمن تدعيم صحة القلب والأوعية الدموية. وذلك تبعًا للنّشاط البدني الموازي للعملية الجنسية.
كما تساعدك ممارسة الجنس الناجحة على التخفيف من مشاعر التوتر والإجهاد. يزيد الجنس من إفراز هرمونات السيروتونين والإندورفين والدوبامين التي تشترك في رفع مزاجك وإحساسك بالراحة والثقة بالنفس. بالإضافة إلى إمكانية الجنس الحفاظَ على مستويات ضغط الدم ومنعها من الارتفاع.
خلاصة
العلاقة الجنسية هي الإطار الذي نرى منه هويتنا الجندرية بوضوح، ومنهُ يكون بوسعنا التعبير الدقيق عن تفاصيل هذه الهُوية. وعليه، فإنه من المهم صون الرابطة الجنسية من أي تأثيرات خارجية. وما قد يشوّه صورة العلاقة المثلى المبنية على المعرفة والاحترام والرضا المتبادل، وجوهرها المتمثل بجملة من المنافع النفسية والذهنية والجسدية.
○ عمِّم الفائدة: