يعرَّف المزاج (Mood) في علم النفس بأنه حالة عاطفية تدوم لفترة أطول من المشاعر العابرة، وتؤثر على الحالة النفسية العامة للفرد وإدراكه وسلوكه. وفي حياتنا، قد تنتابنا موجاتٌ من المزاج المتعكّر بين الحين والآخر، وما لنا عندئذٍ إلا البحث عن وسائل صحية تخرِجُنا من حالتنا المزاجية السيئة، وتساهم في تحسين وإحياء سريرتنا.
قد نلجأ للغذاء الصحي لتنشيط أمزجتنا، وأحيانًا قد نتجه للرياضة لقلب معادلة المزاج خاصتنا، وفي بعض الأوقات قد نختار الجلوس في الطبيعة أو التواصل مع الأحباء أو الاستماع للموسيقى للارتقاء بوضعنا النفسي. وجميعها وسائلُ نافعة لصحتنا بلا شكّ. لكن، ماذا عن الروحانيات ودورها في تحسين المزاج، وما فوائد الصلاة على الجانب النفسي للإنسان؟
——- Ad ——-
——- Ad ——-
تعريف الصلاة في الطب
الصلاة أو الروحانية من منظور الطّب ليست مسألة قراءة نصوص محددة أو أداء حركات معينة فقط؛ وإنما تعني ممارسة سلوكية وذهنية ذات طابع ديني تتضمن تواصل الإنسان مع قوة عليا بهدف استجلاب المشاعر الفضلى كالحبّ، الرحمة، الرهبة، الثقة، الامتنان، التسامح، السرور، والارتباط.
وهذه المشاعر لا تتمحور حول الأنا أو الذات فحسب؛ وإنما تجسد ما سمّاه عالم الأحياء تشارلز داروين بـ”المشاعر الاجتماعية”، فهي تمكننا من نبذ الأنانية والانفتاح على الآخرين.
ولذلك، قد يوصي بعض الأطباء والمعالجون النفسيون مرضاهم بتأدية الصلوات ضمن خطة العلاج المرسومة بالرجوع لعقيدة المريض؛ لِما قد تحمله العبادات من أثر فاعل في توطيد تلك المشاعر الإيجابية في النفس البشرية وإخراجها من عزلتها.
دماغك أثناء الصلاة
في الواقع، قد تحفز الصلاة الدماغ على التأمل والتذكر والتركيز والهدوء والتأني. وهي سمات مهمة تمنح دماغك السيطرة الكلية على نفسه. وبالتالي، تكونُ سبيلًا للإنسان نحو تحسين مزاجه وإبصار محيطه بصورة أوسع.
تحدُث تلك التغيرات الإيجابية في المخ عبر زيادة نشاط أجزاء دماغية معينة. وبحسب عالِم الأعصاب الدكتور أندرو نيوبِرغ، فإن الصلاة تترافق مع زيادة ملحوظة في نشاط الفصّ الجبهي (جزء من الدماغ مسؤول عن التركيز وتنظيم العواطف)؛ مما يولد شعورًا عميقا بالحضور والطمأنينة.
من ناحية أخرى، يمكن لطقوس الصلاة أنْ تنشط من المسارات العصبية في الدماغ التي تستخدم هرمونيّ الدوبامين والسيروتونين؛ مما يساهم بتحسين المزاج والشعور بالرضا. يرجع ذلك إلى دور الصلاة المحتمل في تنشيط نظام المكافأة في دماغ الإنسان بعد إنجازه واجبًا دينيًا؛ الأمر الذي يعمل على تفعيل تلك المسارات العصبية وبالتالي إطلاق النواقل العصبيَّة المتعلقة بالسعادة والمتعة والارتباط الإنساني.
مع ذلك، تعدّ درجة الإخلاص الديني عاملا مهمًا في قياس مردود الصلوات على النفس. فقد قارنت دراسة بين نشاط أدمغة المتدينين وغير المتدينين عند التأمل في الصلاة باستخدام الرنين المغناطيسي، ولاحظت اختلافا كبيرًا في نشاط الفصوص الجبهية بين الفئتين. بمعنى أن صِدق التجربة الدينية والاندماج الروحاني في الصلاة هما ما يحددان مستوى النشاط الدماغي لدى المُصلّي.
——- Ad ——-
——- Ad ——-
كيف تسهِم الصلاة في تحسين المزاج؟
بعد استعراض التحولات التي تطرأ على الدِّماغ خلال الصلاة، يمكننا استخلاص عدد من الفوائد النفسية للصلاة وترتيبها على النحو الآتي:
1. تعزيز اليقظة الذهنية
إنَّ الصلاة وما تتضمنه من خشوع وتركيز تشبه كثيرًا تمارين اليقظة الذهنية (Mindfulness). ومع التزامك بالخشوع، فإن عقلك يتمركز باللحظة الراهنة ويُثنيك عن القلق بشأن المستقبل أو الندم بخصوص الماضي. وقد أكّد العلم فعالية هذه الآلية في تخفيف التوتر وتحسين المزاج إلى حد كبير.
2. الشعور بالدعم والأمان
تصدِّر الصلاة للفرد إحساسًا بالعون المطلق، وبوجود قوة عليا ترافقه وترعاه في مواجهة الصعوبات والتحديات، وتعطيه شعورًا بالحصانة والمناعة من المخاطر والأزمات أينما حل وارتحل.
3. البوح بالمشاعر السلبية
تمثل الصلاة وِجهة آمنة للشخص للتعبير عن أفكاره وتصريف الطاقة السلبيّة الكامنة كالحزن، الخوف، الإحباط والغضب، وذلك بحرية تامة ودون إطلاق للأحكام. هذا الفعل يشبه لحدٍّ بعيد التحدث إلى معالج نفسي أو استعمال الكتابة العلاجية.
4. مصدر للأمل
تبعث الروحانيات على الإيجابية والتفاؤل، وتخبر ممارسيها بإمكانية تجاوز الصعاب والانتقال نحو حالٍ أفضل. ويستجيب لها الدماغ بالسعادة والحماس مما ينعكس على المزاج إيجابًا.
5. تهدئة العقل
الطبيعة الإيقاعية والروتينية للصلاة (مثل تكرار الأدعية أو الحركات الجسدية المنتظمة) لها تأثير مهدّئ ومريح. هذا الروتين ينشط الجهاز العصبي اللاودي (المسؤول عن الاسترخاء والراحة)؛ مما يقلل من استجابة “الكر والفر” التي يسببها التوتر، ويخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم.

نحو نهجٍ أكمَل لتحسين مزاجك
تقدِّم الصلاة للفرد حسناتٍ عديدة على صعيد صحته النفسية؛ لكن من الواجب إلحاقها بأساليب أخرى لتحصين حالتك المزاجية والنفسية في كافة الظروف والأزمنة.
وكما ألمحنا في المقدمة، فإنَّ الرياضة والتغذية الصحية والتنزه في الطبيعة والاستماع للموسيقى، هي أساليب تحسّن المزاج وتدعم السلامة النفسية. يُضاف إليها:
● الحصول على نوم جيد: لعلك أصبحت على دراية بأنَّ حاجة جسمك من النوم يوميًا هي 7-9 ساعات، وأن نيل هذا القدر من النوم كفيلٌ بتحسين مزاجك وإنعاش وظائف دماغك.
● ممارسة الضحك: للضحك منافعُ جمّة على الجسد والنفس، فيساعد على تخفيف الضغوط اليومية وتحسين المزاج. ولاستثارة الضحك لديك، شاهِد برامج كوميدية، أو اختلط بالأشخاص المرحين، أو مارس يوغا الضحك.
● قم بالتأمل: صحيح أن الصلاة تشمل التأمل في جوانبها؛ لكنَّ التأمل عملية كاملة ومنظمة ولها أنواع كثيرة كالتأمل الموجه والتأمُّل التجاوزي. وتطبيق هذه الأنظمة بحذافيرها يؤدي لتعميق التركيز وتصفية الذهن وتقليل التوتر لأبعد مدى.
● افعل الخير: بيّنت الدراسات أن أعمال التبرع أو العطاء أو الإحسان من شأنها إشعار الإنسان بالهدف وتكوين إحساس بالإنجاز والمكافأة؛ ممّا يشكّل شعورًا بالبهجة والنشوة. وقد يكون فعل الخير ذاته شكلًا من أشكال الصلاة والتدين.
——- Ad ——-
——- Ad ——-
خلاصة
الصلوات هي نافذة تفتح لك طيفًا واسعًا من المشاعر الإيجابية، التي يمكن أن تشحن طاقتك وتشحذ قواك، وتنمّي إيمانك بغدٍ مشرق وتدفعك للعمل والإنجاز. مع وجوب التذكير بأن الصّلاة هي مجرد وسيلة من ضمن عدة وسائل لتحسين المزاج، وليست أداةً سحرية أو الحل الوحيد لمشاكل الصحّة النفسية.
○ عمِّم/ي الفائدة
المراجع
(1) Vaillant G. E. (2008). Positive emotions, spirituality and the practice of psychiatry. Mens sana monographs, 6(1), 48–62.
(2) Where Faith Meets Healing: Exploring Spirituality and Mental Health, McLean Hospital, Retrieved on July 16, 2025
(3) How Spirituality Affects Mental Health (2024), WebMD, Retrieved on July 16, 2025
(4) 5 steps to mental wellbeing, NHS, Retrieved on July 16, 2025