مع التطور المتسارع والتغيرات المفاجئة في حياتنا، فإننا نتعرض للإجهاد والتوتر، ولا يمرّ التوتر على أجسامنا دون تخليفه أضرارًا تمسُّ عقولنا وعواطفنا وأجسادنا. وفي ظل هذه الضغوط، يزداد استهلاك الجسم لعناصر غذائية معيّنة يتحتم علينا تعويضها.
وفي الواقع، يحتاج جسم الإنسان لطاقة فائقة للتعامل مع التوتر. وتحت تأثيره، تزيد احتياجات الجسم الأيضيّة ويفقد مخزونه من العناصر الغذائية بسرعة. وبينما يتعامل الكثيرون مع التوتر بإهمال التغذية الصحية وإبدالها بالوجبات الجاهزة، فيصبح من المهم تدارك الأمر فورًا وتبني نظام غذائي صحي يساعد على مقاومة آثار التوتر.
——- Ad ——-
——- Ad ——-
ما هو تأثير التوتر على أجسامنا؟
لنعي ضرورة مواجهة التوتر، علينا بفهم طبيعة تأثيره على أجسامِنا. التوتر المزمن مسؤول كبير عن الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ومشاكل الجهاز الهضمي كالإمساك والإسهال وآلام القولون.
مع ذلك، قد يتسبب التوتر بمشاكل جلدية واضحة مثل تكسُّر الأظافر، بهتان البشرة وتساقط الشعر. وفي أحيان أخرى قد يتسبّب بمشكلات غير واضحة على الجسد، بالنظر لتأثيره على العقل ووظائف الدماغ أيضًا.
عندما نشعر بالتوتر، تفعِّل أجسامنا آلية فسيولوجية تدعى الكرّ أو الفر؛ استجابة منها لخطر محسوس أو متوقع. وتنطوي على هذه الآلية آثارٌ جسدية متعددة.

عناصرٌ في أجسامنا تنضب مع التوتر
حين نقول إنَّ التوتر يؤدي لإنقاص المغذيات في الجسم، فهذا يعني نقص إمداد الأجهزة والأعضاء بالمغذيات اللازمة لعملها والتي بدونها يصبح الجسم عُرضة للأمراض. سنتناول مباشرةً العناصر الغذائية التي يتم استنزافها في ظل التوتر، والواجب سدّها باستمرار:
1. المغنيسيوم
يعدّ المغنيسيوم معدنًا هامًا يعزز من عملية الأيض/الاستقلاب (Metabolism)، كما أنه يشارك في تحسين صحة العضلات والأعصاب.
في تجربة أجريت على كلاب سليمة تم إجبارها على خوض أنشطة على جهاز المشي. أظهرت النتائج وجود انحدار كبير في مستوى المغنيسيوم في مصل الدم لدى تلك المجموعة.
في دراسة ثانية طُبقت على البشر هذه المرة، وبالتحديد طلبة الجامعات، اتضح مرور العينة المدروسة إبان فترة الامتحانات بزيادة في تصريف المغنيسيوم عبر البول، مصحوبًا بتدني غير مثبت بتركيزات المغنيسيوم في مصل الدم، وذلك بالمقارنة مع بدايات الفصل الدراسي.
باختصار، يسفر المجهود البدني والذهني الشديد عن ازدياد استهلاك الجسم للمغنيسيوم، وهو عنصر غذائي أساسي لا تستطيع أجسامنا الاستغناء عنه.
2. أوميغا 3
كشفت دراسة هولندية عن وجود رابط بين مستوى التوتر ومستوى أحماض أوميغا 3 الدُّهنية في الجسم. فبحسب فريق الدراسة، فإن ثمة علاقة عكسية بين نزول مستوى أوميغا 3، وبين ارتفاع معدل الكورتيزول في الدم وتزايد وتيرة نبضات القلب. ولذلك، دائمًا ما يوصي الخبراء بتناول مصادر أوميغا 3 الغذائيّة عند الحديث عن حماية القلب.
وفي حقيقة الأمر، يؤدي التوتر إلى صرف منسوب عالٍ من أحماض أوميغا 3 أثناء استجابة الكر أو الفرّ. كما أن التوتر يعمل على زيادة الإجهاد التأكسدي والذي يقوم بدوره بتدمير عدة أنواع من الخلايا والمواد المختلفة بالجسم ومن ضمنها أحماض أوميغا 3 الدهنية.
واستنادًا لبعض الدراسات، فقد خلُصت حصيلتها إلى أنَّ الأشخاص الذين لديهم مستويات مرتفعة من التوتر، لديهم أيضًا مستويات قليلة من أوميغا 3.
3. الزنك
الزنك عنصر غذائي آخر يزيد استنزافه مع الإجهاد والتوتر، وهو معدن ضروري لديمومة عمل إنزيمات الجسم، كما أنه ضروري للجهاز المناعي وعملية الاستقلاب وتنشيط حواسنا.
وبالعودة للدراسات المُقامة على الحيوانات، قام باحثون بإجراء دراسة على فئران تم تعريضها للإجهاد. بالتالي، توصلوا إلى وجود انخفاض في تركيزات الزنك في الدم، متبوعًا بزيادة في إفراز هرمون الكورتيزول.
تتطابق هذه الدراسة الحيوانية بعض الشيء مع دراسة أخرى شملت البشر، وجرى خلالها معاينة تركيزات الزنك لدى سجناء سابقين عقب إخلاء سبيلهم، وكشفت الدراسة عن تدني ملحوظ في تركيزات الزنك في مصل الدم عند 34 فردًا منهم.
وبناءً على ما سبق، يتأكد لنا تأثير التوتر على مخزون الزنك في الجسم، والحاجة لتعويضه دومًا؛ خاصة عند مواجهة ظروف عصيبة.
4. فيتامين سي
جميعنا يعرف مكانة فيتامين سي بالنسبة لأنظمتنا المناعية. لكن، قد لا يعرف بعضنا أن فيتامين سي يتواجد بكميات عالية في الغدة الكظرية. ومع التوتر، تزداد تلقائيًا إفرازات الغدة الكظرية المحمَّلة بفيتامين سي؛ مما يقلل من مخزون الفيتامين الكلي اللازم لحماية الجسم.
وبينما تستطيع معظم أجسام الثدييات إنتاجَ فيتامين سي حتى خلال التوتر، يعجز جسم الإنسان عن إنتاج هذا الفيتامين المهم؛ مما يدفع الفرد للجوء للمصادر الغذائية لملء مخزون فيتامين سي بانتظام؛ ثم تزداد حاجتنا إلى ذلك في خضم التوتر والإرهاق.
5. فيتامينات بي
تنضمّ عائلة فيتامينات بي؛ خاصة B3 وB5 وB6، إلى لائحة العناصر المهددة بالفقدان إثر التوتر. وهي من المغذيات المعروفة بمقاومتها للإجهاد، والتي يجب الانتباه لمقدارها في الجسم عند الوقوع بموقف منهِك؛ إذ يتضاءل مخزون هذه الفيتامينات في مسعى الجسم صدّ تأثير التوتر.
من ناحية أخرى، تساهم هذه الفيتامينات في الوقاية من التوتر عبر إنتاجها النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، والمعنية برفع الشعور بالرضا والسعادة وحُسن المزاج.
6. الحديد
يدعم الحديد جسمك من نواحٍ عدة تشمل نقل الأكسجين من الرئة إلى باقي أجزاء الجسم، عدا عن أنه يساهم في دعم المناعة والبشرة والشعر والعمليات الأيضية، وسِوى ذلك.
ووفقا لبحوث، فقد أشارت نتائجها إلى أنَّ الصغوطات النفسية يمكن أن تغير تركيز الحديد في الجسم ما بين الارتفاع والهبوط، وتظل الأبحاث المُعدّة بهذا المضمار متباينة في تحديد شكل التغيير في تركيزات الحديد.
——- Ad ——-
——- Ad ——-
أين تتوافر هذه العناصر الغذائية؟
يمكننا تعويض الفاقد من هذه العناصر التي يستهلكها التوتر عن طريق تناول مصادرها الغذائية الآتية:
● مغنيسيوم: توجد العديد من الأطعمة التي تتكون من المغنيسيوم، ومن أبرزها: المكسرات والبذور، السبانخ، الشوكولاته الداكنة، وسمك السلمون. استغِل هذه الخيارات العديدة وغيرها في تزويد جسمك بالمغنيسيوم الضروري لحالات الإجهاد.
● أوميغا 3: بوسعنا العثور على أحماض أوميغا 3 في الكثير من الأطعمة. وتتصدرها الأسماك الدهنية مثل الماكريل والسّلمون والسردين، بالإضافة للبيض والدواجن ومشتقات الألبان.
● الزنك: البيض واللحوم والأسماك والألبان كلها مصادر غذائية مؤلفة من الزنك. وإذا كنت نباتيًا، فإليك مصادر نباتية للزنك؛ كالطماطم وبذور اليقطين والفول السوداني والفاصولياء والحبوب الكاملة، علمًا أن توافر الزنك في المصادر النباتية أقل منه في نظيرتها الحيوانية.
● فيتامينات بي: رغم تعدد أشكالها، إلا أنَّ فيتامينات بي تجتمع في عددٍ من الأغذية، وقد تكفيك أصناف معينة كالأجبان والكَبد ولحم الدجاج والمحار لتلبية احتياجك اليومي منها.
● فيتامين سي: بمجرد ذِكر اسمه، فأول ما قد يتبادر إلى أذهاننا فاكهة البُرتقال، فهي إلى جانب الحمضيات الأخرى والفراولة والكيوي والفلفل، تصنَّف جميعها كمصادر غذائية غنية بفيتامين سي.
● الحديد: من أشهر الأطعمة المكوَّنة من الحديد: الكبد، اللحوم الحمراء، السردين، الفاصولياء (بخاصة الحمراء)، المشمش المجفف، وحبوب الإفطار المدعمة.
بموازاة ذلك، تتواجد العناصر السابقة على هيئة مكملات غذائية، لكن احرص على استشارة مختص قبل اقتناءك أو تناولك لأي من تلك المكملات.
وسائل إضافية للتعامل مع التوتر
لا تكفي التغذية الصحيّة وحدها في التصدي لحالة التوتر؛ حيث ينبغي تطبيق استراتيجات أخرى في هذا الإطار. إليك هذه النصائح:
- ابقَ نشيطًا ومارس الرياضة على الدوام.
- تواصَل بصورة مباشرة مع الآخرين.
- اقضِ بعض الوقت وحدك بمنأى عن مظاهر الصخب، وهنا تمثل الطبيعة المكان الأنسب لذلك.
- وأثناء مكوثك وسط الطبيعة، استرخِ ومارس تقنيات التنفس العميق وتمارين اليوغا.
- ابتعد عن الكحول والكافيين فهما يزيدان حدة التوتر.
- فكر بإيجابية وعقلانية.

خاتمة
في النهاية، لا يسعنا إلا التذكير بإمكانية وأهمية مراجعة أخصائي فيما لو امتدّ التوتر لأمدٍ طويل، ولم تفلح مجموعة الأساليب الوقائية والعلاجية المذكورة في إيقاف مشاعر التوتر والإرهاق لديك.
* اقرأ/ي أيضًا:
المراجع:
(1) Lopresti A. L. (2020). The Effects of Psychological and Environmental Stress on Micronutrient Concentrations in the Body: A Review of the Evidence. Advances in nutrition (Bethesda, Md.), 11(1), 103–112.
(2) The Hidden Link Between Stress, Cravings, and Nutrient Depletion, Vida Integrated Health, Retrieved on June 29, 2025
(3) Marianna Kilburn (2019), What nutrients are depleted by stress?, A.Vogel, Retrieved on June 29, 2025
(4) 5 Vital Nutrients Drained by Stress, Nutri Advanced, Retrieved on June 29, 2025
(5) Zinc, National Institutes of Health, Retrieved on June 29, 2025
——- Ad ——-