الاستشارات الطبية عبر الإنترنت: مزاياها وعيوبها

طبيبة أثناء إحدى الاستشارات الطبية عبر الإنترنت

في ظل ما يشهده العالم من تحولات سريعة، لم تعُد الرعاية الصحية حكرًا على جدران العيادات أو أروقة المستشفيات أو المراكز الصحّية. نحن نعيش اليوم لحظة تاريخية فارقة؛ لحظة يتقاطع فيها الطب مع التكنولوجيا، وتتقاطع فيها احتياجات الإنسان مع ما تقدمه الشاشات من حلول. منصةٌ إلكترونية، طبيبٌ على بعد آلاف الكيلومترات، مريضٌ يصف أعراضه من منزله وعلى سريره، هذه لم تعد مشاهد من رواية خيالية، بل واقعٌ يومي اسمه: الاستشارات الطبية عبر الإنترنت.

الاستشارات الطبية عبر الإنترنت، هي خدمة وُلدت بفعل الحاجة، وسرّعتها التكنولوجيا، وفرضتها ظروف عديدة، كان من أبرزها جائحة كوفيد-19 التي عصفت بكوكبنا ودفعت بالمؤسسات الصحية والأفراد إلى البحث عن بدائل آمنة، سريعة، وفعالة للتشخيص والمتابعة الطبية. لكن، كما هو الحال في كل تطور، فإن لهذا النموذج وجهين: أحدهما يحمل الفائدة، والآخر لا يخلو من المخاطر.

مزايا الاستشارات الطبية عن بُعد

هناك عدة محاسن لهذا النوع من الاستشارات الطبية، وهي كما يلي:

1. تعطينا فرصة إستثنائية للوصول العادل والمفتوح للرعاية الصحية

ربما كان الوصول إلى الأطباء المتخصصين رفاهية لا يحظى بها الجميع، خاصة في القرى والمناطق النائية، أو لدى أصحاب الإعاقات الحركية أو كبار السن. لكن مع ظهور خدمات الطب عن بعد، أصبح بالإمكان لأي شخص أن يستشير طبيبًا متخصصًا دون مغادرة منزله، ودون أن يتكبد عناء السفر أو الانتظار الطويل.

2. السرعة في التشخيص والرد والبدء بالعلاج

الزمن عنصر مفصلي في الكثير من الحالات الصحية. وهنا تلعب الاستشارات الطبية عبر الإنترنت دورًا اساسياً في التقليل من الفجوة الزمنية بين ظهور الأعراض والحصول على الرأي الطبي أو الاستشارة الطبية وهو ما قد يُحدث فارقا كبيرًا في مسار العلاج.

3. تقليل العبء على النظام الصّحي

مع ازدياد الضغط على المستشفيات والمراكز الطبية، جاءت هذه الخدمة لتخفف من حالات الطوارئ غير المستعجلة، وتتيح للكوادر الطبية تركيز جهودهم على الحالات الأكثر تعقيدًا. حتى أن بعض الدراسات أشارت إلى أنَّ أكثر من 70% من المشكلات الطبية الأولية يمكن تقييمها مبدئيًا عن بعد، مما يساهم في تحسين توزيع الموارد.

4. الخصوصية والراحة النفسية

ثمة حالات طبية يواجه فيها المريض حرجًا في الحديث عنها وجهًا لوجه مع الطبيب؛ مثل الاضطرابات النفسية، أو الأمراض الجلدية في مناطق حساسة، أو المشاكل الجنسية. في مثل هذه السيناريوهات، توفر الاستشارة الإلكترونية مساحة أكثر راحة وأمانًا للمريض بعيدًا عن أنظار الحاضرين في غرف انتظار العيادات التي قد لا تكون مريحة للفرد.

5. الاستمرارية والمتابعة

المرضى المصابون بأمراض مزمنة مثل السكري أو الضغط أو أمراض القلب، يمكنهم متابعة حالاتهم بشكل منتظم وسهل دون الحاجة لزيارات ميدانية متكررة.

○ تعزز الاستشارات عن بُعد من الالتزام بالخطة العلاجية الموصوفة للمصابين بحالات مزمنة.

عيوب الاستشارات الطبية عبر الإنترنت

قد تواجه الشخص أكان مريضًا أو طبيبًا بعض التحديات في حال اتّباع نمط التطبيب عن بعد:

1. غياب الفحص السريري

الطب ليس مجرد أسئلة وأجوبة. هنالك الكثير مما يُكتشف من خلال الفحص السريري المباشر للمريض بجميع حواس الطبيب، لون الجلد، نبضات القلب، ضغط الدم، حركة الجسم. وغيرها من المؤشرات التي لا تستطيع الكاميرا أو المكالمة الهاتفية التقاطها حيث إن غياب هذه التفاصيل الدقيقة يضع بعض الحالات عرضة لسوء التقدير، أو حتى الإهمال اللا مقصود.

2. خطر التشخيص الذاتي والمعلومات المغلوطة

أحيانًا يسارع المريض بالاعتماد على الأعراض العامة التي يراها منشورة في المنتديات الطبية أو يتلقاها من مواقع إلكترونية، ليصل إلى استنتاجات خاطئة قبل حتى استشارة الطبيب.

وإذا أضفنا إلى ذلك منصات الاستشارة التي تدار من قبل غير المختصين، فإننا نكون أمام خطر نشر معلومات طبية مغلوطة، قد تؤدي لتفاقم الحالة بدلًا من علاجها.

3. مشاكل تتعلق بأمن البيانات وخصوصية المريض

الاستشارة الطبية تتطلب الإفصاح عن معلومات شخصية حساسة للغاية. وفي عالم يشهد ازديادًا في الهجمات السيبرانية واختراقات الخصوصية، يظل السؤال مفتوحًا: هل أنظمة هذه المنصات مؤهلة لحماية البيانات؟ وهل يتم التعامل مع السجلات الطبية بما يليق بسرّيتها؟

في الواقع، الأمر لا يزال محل جدل واسع، ويحتاج إلى رقابة صارمة وتشريعات حاسمة.

4. محدودية بعض التخصصات

لا يمكن الاستفادة من التطبيب عن بعد في كافة التخصصات. مثلًا، جراحة العظام، أو أمراض النساء التي تتطلب فحصًا داخليًا، أو جراحات الفم، جميعها تحتاج إلى وجود فعلي للمريض. بالتالي، فإن الطب الإلكتروني ليس بديلًا كاملًا، بل أداة مكملة فحسب.

5. التفاوت التقني والثقافي

ليست كل المجتمعات متساوية في فهم التكنولوجيا أو استخدامها. فهناك فئات –خاصة كبار السن أو غير المتعلمين– يواجهون صعوبة في استعمال المنصات الرقمية. كما أن ضعف البنية التحتية في بعض الدول يجعل الوصول إلى الإنترنت عالي الجودة عائقا أمام هذه الخدمة.

حلول واقعية… ومسؤوليات متبادلة

لكي تُحقق الاستشارات الطبية الإلكترونية الهدف منها، لا بد من توافر تشريعات واضحة تُنظم العلاقة بين الطبيب والمريض والمنصة، وترسم حدود المسؤولية.

كذلك يجب على المنصات الرقمية أن تلتزم بمعايير صارمة تتعلق بالأمان، والخصوصية، والمهنية، وأن تُقدم فقط أطباء معتمدين ومرخصين.

ما بين الشاشة والحقيقة… يبقى الإنسان هو الغاية

الاستشارات الطبية عبر الإنترنت جاءت لتبقى. نعم، لن تغني يومًا عن اليد التي تمسك بسماعة الطبيب، أو العين التي ترى النبض الخفي وراء الألم، لكنها في الوقت ذاته تمثل خطوة جريئة نحو مستقبل تتداخل فيه العناية الصحية بالذكاء، والرحمة بالتكنولوجيا.

الفيصل في كل هذا هو كيف نستخدم هذه الأداة. فكما أن السكين قد تطبخ به وجبة تنقذ إنسانًا من الجوع، يمكن أن يُستخدم أيضًا في الإيذاء.

فدعونا نوظف هذه التقنية مثلما ينبغي؛ كوسيلة لخدمة الإنسان، لا كبديلٍ عنه.

○ عمِّم/ي الفائدة:


المراجع:

(1) Cohen, A. B., Mathews, S. C., Dorsey, E. R., Bates, D. W., & Safavi, K. (2020). Direct-to-consumer digital health. The Lancet Digital Health, 2(4), e163–e165.

(2) Mayo Clinic. “Telehealth: Technology meets health care.” Retrieved April 15, 2025

(3) World Health Organization. “Digital Health.”, Retrieved April 15, 2025

(4) 10 Benefits of Online Medical Consultations for Patients, Continental Hospitals, Gachibowli, Hyderabad, Retrieved May 20, 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top