لعلها تبدو معلومة صادمة أنْ تعرف أن دماغك ما يزال قابلا للنمو حتى مع تقدمك في السن. ولكنها ليست إحدى الصدمات التي تمسّ الدماغ بسوء؛ بل هي صدمة تدفعنا لاكتشاف آلية نمو الدماغ، والطرق التي تمكننا من تنمية أدمغتنا فعلا.
اللدونة العصبية
يكمن السر في اللدونة العصبية، أو المرونة الدماغية (Neuroplasticity)، وهي عملية تنطوي على تغيرات في بنية ووظائف الدماغ، وتتجلى بقدرته على التطور وتجديد نفسه باستمرار وطوال الحياة؛ استجابةً لمحفزات داخلية وخارجية.
وعلى الرغم من أن معظم العلماء كانوا يعتقدون سابقا أنَّ نمو الدماغ وتشكّل المشابك العصبية (الوصلات العصبيّة) يتوقفان بعد سن المراهقة؛ إلا أن الدراسات الحديثة وآراء العلماء اليوم تشير إلى خلاف ذلك.
ما هو المشبك العصبي؟
يتألف دماغ الإنسان من حوالي 86 مليار خلية عصبية، تتواصل فيما بينها بواسطة مزيج من الإشارات الكيميائية والكهربائية. وتعتبر المشابك العصبية نقاط الوصل بين هذه الخلايا العصبية.
في الحقيقة، يعدّ المشبك العصبي (Synapse) من أهم مواقع النشاط العصبي المرتبط بعمليات التعلم وتخزين المعلومات، تنتقل عبرها الأوامر والإشارات العصبيّة باستخدام النواقل الكيميائية مثل السيروتونين والدوبامين.
كيف تتشكل المشابك العصبية بيولوجيًا؟
أشارت بعض الدراسات إلى أن تكرار تحفيز الخلية العصبية، والذي يؤدي إلى تحريك مكوناتها مثل بروتين الأكتين، يسهم في تشكيل نهايات عصبية جديدة، تنشأ عنها مشابك عصبية نشطة تقوم بنقل الإشارات والنواقل العصبية، وبالتالي نقل الأوامر الجديدة. كما أنّ هذه العملية تتأثر بالعوامل الجينية والبيئية الخارجية؛ مثل النوم والتغذية على وجه الخصوص.
تأثير العمر على قدرة الدماغ في تكوين مشابك عصبية جديدة
صحيح أن الدِّماغ لا يتوقف عن التطوُّر واكتساب المرونة العصبية؛ لكنَّ عمليات تكوين الوصلات العصبية قد تتناقص مع التقدم في العمر. لذلك، من المهم الالتزام بممارسات مستمرة للحفاظ على النشاط الذهني وتعزيز القدرات العصبية خلال المراحل المتقدمة من الحياة.
دور النوم والبيئة الخارجية في اللدونة العصبية
من أهم العوامل التي تؤثر في عملية المرونة العصبية هو النوم وجودته؛ حيث يقوم الدماغ أثناء مراحل النوم العميق بإعادة ترتيب وتنظيم العمليات العصبيّة، بالتالي تساهم آلية تكوين المشابك العصبية الجديدة في تعزيز عملية التذكر والتعلم. وكلما زادت جودة النوم، ازدادت كفاءة وجودة تشكيل هذه الشبكات العصبية؛ مما ينعكس إيجابًا على العمليات البيولوجية العصبية بصورة عامة.
بدورهما، يندرج التوتر والقلق ضمن العوامل البارزة التي تؤثر سلبًا على الدماغ وأنشطته العصبية، في حين أن التعرض لبيئات هادئة ومريحة يحفز تكوين توصيلات عصبية جديدة ووصلات عصبيّة صحية، مما يدعم العمليات الدماغية السليمة.
كيف نحفز نمو مشابك عصبية جديدة؟
في نفس الوقت، هناك أنشطة يومية بسيطة تسهم بشكل رئيسي في تكوين مشابك عصبية جديدة، وتتضمن:
- ممارسة الألعاب الذهنية، وتطبيقاتها المتاحة على الإنترنت مثل NeuroNation.
- تعلم لغة جديدة.
- الرسم.
- الغناء أو العزف.
- الأنشطة البدنية مثل المشي أو المشيّ السريع وقدرتها على تحسين الدورة الدموية وزيادة تدفق الأكسجين إلى الخلايا العصبية.
- السفر والتعرف على بيئات جديدة يلعبان أيضًا دورًا مهمًا في دعم مرونة الدّماغ.
مستقبل اللدونة العصبية والعلاج العصبي
مجال المرونة العصبية يفتح الباب أمام العديد من العلاجات والحلول الطبية للأمراض العصبيَّة كالزهايمر، والشلل الدماغي، والسكتة الدماغية، وذلك من خلال اكتشاف تقنيات تحفز تشكيل مشابك عصبية جديدة؛ سواء باستعمال الخلايا الجذعية أو عن طريق الأجهزة العصبية.
خلاصة
الدِّماغ عبارة عن شبكة مرنة مليئة بالتوصيلات القادرة على التكيف والتطور استجابة لمختلف التغييرات والبيئات، وأي نشاط أو عادة تمارسها تساهم فعليًا في إعادة برمجة دماغك؛ مما يساعد على بناء مستقبل أكثر مرونة وصحة.
اقرأ/ي أيضًا: دليلك إلى الطبيعة وفوائدها لدماغك
○ عمِّم/ي الفائدة:
المراجع:
(1) McAllister, Kimberley. Making and breaking connections in the brain, Center for Neuroscience, Retrieved on the 7 April
(2) Tononi, G., Cirelli, C. (2014). Sleep and the Price of Plasticity: From Synaptic and Cellular Homeostasis to Memory Consolidation and Integration. Neuron, 81(1), 12-34.
(3) Burke, S. N., Barnes, C. A. (2006). Neural plasticity in the ageing brain. Nature Reviews Neuroscience, 7(1), 30–40.
(4) Gage, F. H., Temple, S. (2013). Neural stem cells: generating and regenerating the brain. Neuron, 80(3), 588–601.
(5) Raypole, Crystal. 6 Ways to Rewire Your Brain, Healthline, Retrieved on the 7 April
