من منّا لم يختبر شعور القلق والتوتر في حياته. من الطفولة إلى البلوغ، قد نواجه عددًا لا يُحصى من المواقف الصعبة. في حياتنا اليومية تنتابنا كثيرٌ من التفاعلات والأفكار والأحاسيس التي تُنهك عقولنا وأجسادنا. وقد تحدث إثر مشكلة مع المدير في العمل، أو محادثة محبطة مع صديق، أو نتيجة تفويت موعد هام. وسواءً كان ذلك يسبّب تهديدًا فعليًا أو مختلقا لسلامتنا النفسية، فقد يلقى الكثيرون صعوبة في التحكم بهذه المشاعر المرهِقة.
مع ذلك، يفتقر الكثيرون منا إلى الأدوات المناسبة لإدارة ضغوطهم؛ مما قد يؤدّي إلى إصابتهم بالتوتر بسهولة في المواقف العصيبة. قد يجدون صعوبة في تهدئة الموقف أو الحفاظ على هدوئهم واتزانهم في أوج اللحظة. بل قد يلجأون إلى آليات تكيُّف مدمرة وغير صحية؛ مما يزيد من شعورهم بالسوء مع مرور الوقت.
إن قدرتنا على تحمل الضغوط تحدد في النهاية كيفية تعاملنا مع أي موقف. بالتالي، بامتلاككَ طرق إدارة التوتر وتعلمك لمهارات تحمُّل الضغوط، تستطيع تحسين قدرتك على التعامل مع ضغوطات الحياة اليومية والمواقف الصعبة باتّباع نهج هادئ وعقلاني وصحي.
أساليب حديثة للتعامل مع التوتر والضغوط
من التقنيات الحديثة في الطب والعلوم النفسية هي تقنية (تيب) TIPP، والتي تندرج تحت مفهوم “العلاج السلوكي الجدلي”. تساعدك هذه التقنية في التخفيف من الأعراض المصاحبة للخوف أو القلق كتسارع ضربات القلب، احمرار الوجه، جفاف الفم والتعرق.
تعدّ تقنية TIPP مهارةً يمكنك استخدامها للتعامل اللحظي مع المشاعر الجياشة مثل التوتر والقلق والسلوكيات الاندفاعية كالغضب، وحتى أثناء نوبات الهلع إن كنت تعاني منها باستمرار. فعادةً، عندما يجد الناس أنفسهم في مثل هذه المواقف، تقل قدرتهم على التفكير بوضوح؛ فلا ينطلق الشخص في سلوكه من العقل الحكيم “Wise Mind”؛ بل انطلاقا من العقل العاطفي وحده. فإذا شعرت بموجة توتر قوية تجتاحك، فستساعدك هذه التقنية في مواجهتها.
ما هي هذه التقنية؟
TIPP هي اختصار لفظي لأربعة خطوات: درجة الحرارة (Temperature)، التمرين المكثف (Intense exercise)، التنفس المنظَّم (Pace your breathing)، بالإضافة إلى استرخاء العضلات التدريجي (Progressive relaxation).
من المهم أن نعي أن TIPP ليست وسيلة ذات مفعول دائم، بل أداة مؤقتة تساعدك على تجاوز الضيق الحاد أو المشاعر الجياشة في لحظتها. وإنَّ كل عنصرٍ من عناصر TIPP له هدف محدد يساهم في تغيير حالتك العاطفية وتقليل شعورك بالتوتر والضيق. دون أن تنسى ضرورة مراجعة طبيبك إنْ كنت تعاني من هذه الأعراض بصفة مستمرة.
كيف نستخدم هذه التقنية في تخفيف التوتر؟
قمْ بالتدرّب على كلٍّ من هذه العناصر حتى تصبح مألوفة لك لاستخدامها:
1. أول خطوة تقوم على تغيير درجة الحرارة
درجات الحرارة الباردة تساعد على تقليل معدل ضربات القلب (والذي يكون عادة أسرع عندما نكون غارقين في المشاعر أو متوترين). يمكنك إما أن تغسل وجهك بالمياه الباردة، أو أخذ حمام بارد (لكن ليس شديد البرودة)، أو إذا كان الطقس في الخارج باردًا يمكنك الخروج في نزهة قصيرة. وبوسعك أيضًا أن تمسك مكعب ثلج في يدك وتمرّره على وجهك لبضع دقائق.
أما عن درجات الحرارة الدافئة فهي تساهم في رفع معدل ضربات القلب (والذي يكون عادة أبطأ عندما نشعر بالاكتئاب) فعندها يمكنك أخذ حمام ساخن.
لكن كُن على عِلم بأن التعرض للبرد يمكن أن يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم، بينما يؤدي التعرض للحرارة إلى ارتفاعه. لذلك، إذا كنت تعاني من حالة طبية قد تتأثر بذلك، يُفضل أن تتجاوز هذه الخطوة.
2. التمرين المكثف
حين تتراكم لديك طاقة ناتجة عن المشاعر الجارفة، قد يكون من المفيد جدًا تصريف هذه الطّاقة من خلال ممارسة بعض الأنشطة مثل تمارين القلب “كارديو”. لا تستلزم هذه التمارين أي تجهيزات أو زيارات دورية لصالة الألعاب الرياضية. فقط قف وجرّب أحد هذه الخيارات: اركض حول المنزل، قم بتمارين القفز في غرفتك، أو اخرج وتمشَّ بسرعة. مارس هذه التمرينات لمدة 10 إلى 15 دقيقة؛ ولكن لا تُجهد نفسك أكثر من اللازم.
قد يبدو وكأن ذلك يتناقض مع ما فعلناه في الخطوة السابقة المتعلقة بتبريد الجسم؛ لكنه في الواقع يمكن أن يساعد في تصريف بعض تلك الطاقة السلبية التي تشعر بأنها تراكمت بسبب القلق أو نوبة الهلع.
3. التنفس المنظم
هذا التدريب أعتبره أنا أهم عنصر بين هذه العناصر الأربعة، فهو لا يقوم فقط على تهدئتك وتهدئة معدّل نبضات قلبك؛ بل أيضًا يمكّنك من التركيز على جسدك المادي ككل ويُثنيك عن التركيز في الأعراض والمشاعر السلبية. فبذلك تهدأ كل عمليات الأيض، ويضبُط تركيز معدل الأكسجين في جسدك من خلال ضبط معدل التنفس لديك.
من أجل تقليل الآثار الجسدية للمشاعر الجياشة التي تشعر بها (مثل تسارع ضربات القلب، احمرار الوجه، جفاف الفم، التعرق، وغيرها)، من المفيد أن تحاول التحكم في تنفسك حتى يهدأ تدريجيًا. أنصحك أن تجرب التقنية التالية:
تنفَّس بعمق من أنفك (تنفس بطني وليس رئوي) لمدة أربع ثوانٍ، ثم أخرِج الهواء من فمك ببطء لمدة ست ثوانٍ. كرِّر العملية لمدة دقيقة إلى دقيقتين حتى تشعر بتحسن.

4. استرخاء العضلات التدريجي
للتخفيف من الشد العضلي الذي يمكن أن يصاحب الشعور بالضيق والتوتر، جرّب أسلوب استرخاء العضلات التدريجي. ابدأ بأعلى جسمك، انتبه لعضلاتك وأعلى ظهرك، وشدّها بتأنٍّ لمدة خمس ثوانٍ. ثم ارخِها – ستشعر بارتخاء المنطقة. استمر في فعل ذلك مع ذراعيك، وعضلات بطنك وظهرك، وعضلات أسفل ظهرك، وفخذيك، وأعلى فخذيك، وساقيك. هذه طريقة فعالة في تخليص جسمك من الطاقة الزائدة المتراكمة بسبب المشاعر الجياشة.
نصيحة طبية
في النهاية وبعد استعراض مفهوم وعناصر تقنية TIPP، أودّ أن أقدم لك نصيحة صغيرة (TIP) هذه المرة، وأن أذكّرك بمراجعة الطبيب النفسي لمعرفة السبب وراء نوبات الهلع -إن كنت تعاني منها- وللتخفيف من الأعراض الحادّة المصاحبة لشعور التوتر إن كانت هذه التقنية أو غيرها من الأساليب لا تساعد في تهدئتك.
○ عمِّم/ي الفائدة:
المراجع:
(1) DaCosta, J. (2023) DBT TIPP Skills: Improving Distress Tolerance, Cognitive Behavior Therapy, Retrieved on the 17 April
(2) TIPP (2024), (n.d.). Dialectical Behavior Therapy, Retrieved on the 17 April
(3) Mintz, R. (2023, December 19), How to Use TIPP Skills When Experiencing a Panic Attack. Heartland Therapy Connection, Retrieved on the 17 April