في خمسينيات القرن الماضي، قام عالِما الإيثولوجيا تينبرجن وماغنوس، بتجربة على الفراشات. بعد دراستهما لأكثر النقوش جذبًا لدى الذكور على أجنحة الإناث. قاما بصنع نماذج كرتونية مع تعزيز النقوش لتبدو أكثر سطوعًا وجذبًا من أي شيء موجود في الطبيعة. فاندفع الذكور صوب هذه النماذج المبالغ فيها، متجاهلين الفراشات الحقيقية الموجودة أمامهم.
تمامًا كما وقعت الفراشات في هذا الفخ، يقع مستهلكو المواد الإباحية في خيالات مغرية لدرجة أنهم يفقدون الاتصال بالعلاقات الواقعية. تكمن إحدى الأكاذيب الكبرى في الأفلام الإباحية في الوهم الذي يوحي بأن بوسع المرء أن يحظى بالمتعة الفورية من خلال عددٍ لا حصر له من الشركاء الافتراضيين. وفي نفس الوقت، الحفاظ على علاقة حقيقية ومُرضية. ومع تزايد سهولة الوصول إلى الموادّ الإباحية عبر الإنترنت، أصبح استهلاكها ظاهرة شائعة بين المراهقين والشباب البالغين؛ ما يتطلب تدخلا صحيا على الفور.
——- Ad ——-
——- Ad ——-
إحصائات عن الإباحية
في يناير من سنة 2024، سجّل موقع “بورن هَب” أزيد من 11.4 مليار زيارة عبر الهواتف المحمولة من مُستخدمين حول العالم. في حين لم تتجاوز الزيارات من أجهزة الحاسوب المكتبي 500 مليون زيارة. يُقدَّر متوسط عمر مستخدمي موقع “بورن هَب” عالميًا بحوالي 35.5 سنة. وما زال الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا يشكلون 61% من إجمالي زيارات الموقع.
أظهرت دراسة حديثة أنَّ 34% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عامًا يشاهدن المواد الإباحية مرة واحدة على الأقل شهريًا. تنخفض هذه النسبة إلى 13% في الفئة العمرية بين 31 و49 عامًا، و10% بين 50 و68 عامًا.

——- Ad ——-
——- Ad ——-
أضرار الأفلام الإباحية على العلاقة الجنسية والزوجية
قد تترك المواد الإباحية آثارًا سلبية على الفرد وعلى شريكه أو شريكته في العلاقة الحميمية. ومنها:
- التعلق المَرضي بالمحتوى الإباحي (الإدمان).
- الشعور بالوحدة والعزلة.
- تنامي السلوك العِدواني.
- تبنّي معتقدات مشوّهة عن العلاقات الإنسانية والجوانب الجنسية. كنتيجة لتضليل الأفلام الإباحية لمستخدميها وإيهامهم بتصورات خياليّة وغير واقعيّة عن الجنس.
- انخفاض الرضا الجنسي في العلاقة الحقيقيّة.
- تدني تقدير الذات والاعتزاز بصورة الجسد.
- الانشغال بالمواد الإباحية بما يقود الفرد إلى إهمال مسؤولياته ومجالات حياته الأخرى.
قد يتوسَّع تأثير الأفلام الإباحية حتى يعمّ العلاقة الزوجية بكاملها، ويتجلى بما يلي:
● زيادة الصراع الزوجي: التوتر الزوجي هو نتيجة حتمية لمشاهدة الأفلام الإباحية. هنا، قد يشعر الشريك بأنه مُهمَل ومكروه وغير مرغوبٍ به، وقد تشكّل المواد الإباحية صورة الشريك الافتراضيّ الذي يمكنه أن يحلّ محل الزوجة أو الزوج. مما يعزز من ذاك الصراع ويُفضي إلى خفض التواصل العاطفي بين الزوجين.
● ارتفاع خطر الخيانة الزوجية: لا يقف الأمر بين الزوجين حدّ الصراع، فقد يلجأ أحدهما أو كلاهما لإشباع حاجاته المفقودة بواسطة شريك آخر، ما يُفقد العلاقة الزوجية تماسكها ويوصلها إلى حافة الانهيار.
● تدهور الأسرة: مما لا شك فيه أن التعرض المستمر للأفلام الإباحية يؤدي إلى تقليل تقدير القيم الأسرية كالزواج الأحادي وتربية الأطفال. وبالحديث عن الأطفال، فهؤلاء هم أكبر المتضررين من المسألة برمتها؛ خاصة إذا آلت الأمور في نهايتها إلى الطلاق.
يتعاظم الضرر اللاحق بالأطفال إذا وقعوا هم ضحايا لهذه المواد. يمكن أنْ يتسبب التعرض المبكر للأفلام الإباحية في توليد مفاهيم مغلوطة حول الجنس والعلاقات لدى الشباب اليافع؛ مما يعرضهم لمخاطر صحية وعاطفية قد تؤسِّس لعلاقات زوجية وجنسية مضطربة في المستقبل.
في دراسة نُشرت في مجلة المنوفية الطبية، تم تقييم تأثير مشاهدة الموادّ الإباحية على العلاقات الزوجية. شملت الدراسة 300 رجل وامرأة متزوجين تتراوح أعمارهم بين 20 و50 عامًا؛ حيث طُلب منهم ملء استبيان ذاتي. أظهرت النتائج أن 43.3% من المشاركين يشاهدون الأفلام الإباحية، كما بيّنت أيضًا أنّ متابعة الإباحيّة تزيد من احتمالية الطلاق بنسبة 33.8%. وعليه خلصت الدِّراسة إلى أن هذه المواد لها تأثير سلبي على العلاقات الزوجية.

“تحذير: ليس للكبار حتى”
تتسبب مشاهدة الإباحيّة في الوقوع بعدة مشاكل نفسية وعصبية. يمكن لاستخدام الأفلام الإباحية أن يؤدِّي إلى ما يسمى بالإدمان، ويبقى هذا المفهوم مثيرًا للجدل داخل الأوساط العلمية. فلا يوجد بعد إجماع علمي على أن “إدمان الإباحية” يستوفي المعايير اللازمة ليُعترف به كتشخيص طبي مستقل في التصنيفات الدولية. وبالرغم من عدم القَطع بكونه مرضًا نفسيًا؛ إلا أنَّ آثاره خطيرة على كل من الفرد وشريكه. إليك الآثار بالتفصيل:
1. التأثيرات السلبية على الدماغ
تؤثر المواد الإباحية على الدماغ بطرق قد تكون مضرة؛ ممّا يؤدي إلى تغيرات في طريقة معالجة المخ للتحفيز والمكافأة، من خلال زيادة إفراز الدوبامين بمستويات تفقد الدّماغ حساسيته وتجاوبه مع مصادر المتعة المختلفة والطبيعية. وعلى المدى البعيد، قد يعمل هذا الإفراز المكثف للدوبامين على إضعاف قدرة الدماغ على إنتاج الدوبامين بشكل طبيعي.
تشير الأبحاث إلى أن المدمنين على مشاهدة الأفلام الإباحية تُظهر أدمغتهم هيمنة موجات دلتا في قِشرة الفص الجبهي؛ مما يؤثر على وظائفهم الإدراكية وقدرتهم على التمييز بين الصواب والخطأ. وفي ذات السياق، أظهرت دراسة أن نشاط قشرة الفصّ الجبهي كان أعلى لدى الأشخاص الذين يشاهدون الإباحية مقارنة بالذين لا يشاهدونها، مع زيادة التنشيط بناءً على مقدار استهلاك المواد الإباحية.

2. تعزيز العنف والتمييز الجنسي
قد تروِّج المواد الإباحية للعنف والتمييز ضد النساء؛ مما يساهم في تشكيل مواقف وسلوكيات غير صحية تجاه الجنس والعلاقات. ففي دراسة إحصائية تعود لعام 2022، أوضحت النتائج أنّ 52% من المراهقين الذين تعرضوا لمقاطع إباحية، أكدوا رؤيتهم مظاهر جنسية عنيفة تطال الشركاء النساء في غالبها؛ مثل الخنق بنسبة 36% منهم، وتعرُّض شخص للألم (37%)، أو صور تشير لمحاولات اغتصاب (19%).
قد يتضمن المحتوى الإباحي أيضا صورًا لشد الشعر والتقيؤ والجَلد والتقييد والإذلال؛ ويتلقفها المستخدمون بكل سهولة. بالتالي، قد تؤدي نِسب المشاهدة العالية لهذه اللقطات الشرسة من المواد الإباحية، إلى تطبيع العنف والعُنف الجنسي إزاء النساء بالذات؛ مما قد ينجم عنه حدوث ما يعرف بالاغتصاب الزوجي، ويسلب العلاقة الحميميّة جوهرها المبني على التراضي والاحترام. وقد تكون تلك الصور العدوانية راسخة أكثر في ذهن الشخص إذا بدأ تعرضه لها في مرحلة مبكرة كالطفولة أو المراهقة.
3. التأثيرات السلبيّة على الصحة الجنسية
لا تغادر المشاهد الإباحية عقل الإنسان قبل المساس بصحته الجنسية، فقد يقود الاستهلاك المفرط للإباحيات إلى مشاكل جنسيّة تتعلق بالإثارة والقذف وضعف الانتصاب. يشرح ذلك الدكتور شيراج بهانداري أخصائي أمراض الذكورة والجنس، الذي يَعتبر المحتوى الإباحي سببًا في تكوين الأفراد توقعات غير صحيحة من شركائهم في العلاقة الجنسية الفعلية. ونظرًا لاحتواء الأفلام الإباحية على نماذج محسّنة وتوقعات مثالية، فعلى إثرها قد يواجه الرجل صعوبة في تحقيق الانتصاب. كما يؤكد الدكتور بهانداري أن المواد الإباحية قد تصنع حالة من القلق الجنسي لدى الرجال، ما يشترك بدوره في ضعف الانتصاب.
4. التأثيرات السلبية على الصحة النفسية
من جهة أخرى، يرتبط الإفراط في مشاهدة الموادّ الإباحية بنشوء مشاعر نفسية مضطربة كالتوتر والقلق والاكتئاب، وما يَنتُج عنها من أعراض كالانفعال وضعف التركيز والإحباط والإحساس بالذنب، وحتى مواجهة مشكلات في النوم.
——- Ad ——-
——- Ad ——-
أسباب متابعة الأفلام الإباحية
هناكَ بعض الدوافع التي قد تجرّ المرء إلى صفحات المواقع الإباحية، وهي:
- الفضول والتحفيز الجنسي: يقوم العديد من الناس بإلقاء النظرة الأولى على الصور الإباحية بدافع الفضول، أو للحصول على تحفيز جنسي.
- الهروب من المشاعر السلبية: قد يرى زوار المواقع الإباحية في هذه المنصات ملجأ من التوتر، الاكتئاب، القلق أو الملل.
- البحث عن الإحساس بالقبول: قد يبحث الأفراد عن الإحساس بالرغبة أثناء تخيل النفس في مواقف مشابهة لتلك الموجودة في المواد الإباحية.
الطريق نحو التغيير
الدوافع السابقة ليست مبررات كافية تجيز للفرد إدمان التفرج على الإباحية، ومن واجبه البحث عن مخارج صحية من هذه العادة:
● التأمل في الأثر: على الإنسان أن يحاكِم ذاته، وينظر بوعيٍ وحكمة بما يفعله بحق نفسه، وبما تخلفه تلك العادة من آثارٍ على صحته وعلاقاته وأسرته. فالاعتراف بوجود المشكلة أول مرحلة تسبق الحل.
● المصارحة والحوار: افتح مجالا للحوار البنّاء مع شريكك دون لومٍ أو انفعال، مع الإصغاء المثمر إليه بدون توجيه الاتهامات، بما يؤمِّن الوصول إلى نقطة التقاء تستعيد علاقتكما من جديد. وإذا كنت أعزبا، اجلب الشريك الحقيقيّ إلى حياتك، وأسِّس علاقتك معه على القبول والاهتمام والإخلاص.
● تحمُّل المسؤولية والسعي الجاد: لا أحد معنيٌّ بأن يسير طريق التغيير بدلًا عنك. الدعم مفيد لكن عليك أولا أن تطلبه وتسعى إليه. بمقدورك أنْ تطلب مساعدة مستشار أو مختص نفسي في وضع خطة تناسب حالتك، وتدعمك بخطىً ثابتة نحو علاقة أفضل.
بالتوازي مع ذلك، بإمكانك البحث عن خدمات علاجية نفسية في بلدك عبر الإنترنت. يشمل ذلك الجهات الحكومية المختصة بالصحة النفسية من مستشفيات وعيادات الطب النفسي، أو المعالجين النفسيين والخبراء في حالات الإدمان.
يضاف إلى ما سبق جمعيات علاج الإدمان والوقاية منه، أو المنصّات الاستشارية من قبيل Shezlong أو Ayadi التي تقدم علاجات نفسية باللغة العربية عبر الإنترنت. إذ يتاح للشخص تلقي جلسات علاجية خاصّة وعن بعد للتعامل مع إدمانه على مشاهدة الأفلام الإباحيّة.
اقرأ/ي أيضًا: تأثير الثقافة الاجتماعية على نجاح العلاقة الجنسية
○ عمِّم/ي الفائدة:
المراجع:
(1) Smaniotto, B. Le Bigot, J. Camps, FD. (2022). “Pornography Addiction”: Elements for Discussion of a Case Report, Archives of Sexual Behavior, 51 (2), 1375-1381
(2) Fight the New Drug. (n.d.). How porn can harm consumers’ sex lives. Retrieved on the 9 April
(3) Statista, Worldwide visits to Pornhub from April 2022 to January 2024, by device (n.d.). Retrieved on the 9 April
(4) Enough Is Enough, Pornography (n.d.). Retrieved on the 9 April
(5) Banerjee, A. Impact of porn on sexual health (Sep 25 2024), Happiest Health, Retrieved on the 9 April
(6) How pornography changes our brain (and why our teens need to know about this) (n.d.). SEA, Retrieved on the 9 April
(7) 10 Negative Effects of Porn on Your Brain, Body, Relationships, and Society (n.d.). Fight the New Drug, Retrieved on the 9 April
(8) Women Porn Addiction, (n.d.). Freedom Fight, Retrieved on the 9 April
(9) Khaled, H. Nassar, M. Gaber, M. Effect of pornography on married couples (2019), ” Menoufia Medical Journal: Vol. 32: Iss. 3, Article 46.
(10) Brower, N. Effects of Pornography on Relationships, Utah State University, Retrieved on the 9 April
——- Ad ——-