الطبيعة ليست موطن الزهور والفراشات والطيور والحيوانات وحسب؛ إنها موطننا أيضًا وإليها ننتمي كبشر. فيها تجد كلّ ما يتصل بك وكل ما تتصل به أنت عبر حواسك وجسدك ودماغك. الطبيعة هي ملاذك إذا كنت تبحث عن الراحة والسعادة، وإليها تخرج من كثير من مشاكلك الذهنية والنفسية.
ما هي فوائد الطبيعة على الدماغ؟
تحتضن الطبيعة العديد من التأثيرات الإيجابيّة على الإنسان، والتي تشمل جوانب عدة من الدماغ والصحة العقلية. يمكن إجمال هذه الجوانب بما يلي:
1. الإبداع والابتكار
الطبيعة هي مهرب للعقل من ضغوط الحياة اليومية وتأثيرات البيئة الحضرية على الدماغ. توفر الطبيعة الأم فرصة للإنسان لاستعادة تركيزه وانتباهه وتوليد أفكار جديدة من خلال تنوعها البصري والسمعي من صور الأشجار والزهور والتضاريس، وأصوات الطيور والشلالات والرياح، التي تجتمع سويةً لإثارة الأفكار الإبداعية للإنسان.
أثبتت إحدى الدراسات أن البيئة المؤلفة من عناصر طبيعية، تزيد معها قابلية الدماغ لتحقيق أداء إبداعي وتسجيل درجات من الانتباه، بحيث تفوق تلك البيئات الخالية من أي عناصر طبيعية. وبالإضافة لذلك، فإن مشاهدة بيئة ذات مواصفات طبيعية كفيلة بتحفيز الفضول والخيال عند الشخص بالمقارنة مع مشاهدة بيئة صناعية؛ إذ إنّ المناظر الطبيعية تعطي العقلَ حرية الغوص في التفكير بمعزل عن أي حواجز أو معيقات.
2. الاسترخاء
الطبيعة ثرية بتلك العناصر المتنوعة التي تدفعنا للذهول وتقودنا للتأمل؛ حيث تتيح لأدمغتنا الانفصال مؤقتًا عن تبعات الحياة اليومية والتقليل من مستوى التوتر، في ظل البعد عن مظاهر الصخب والتلوث البيئي والضوئي المثيرة للانفعال.
كما أن إمضاء الوقت في المساحات الخضراء يقلل من معدل نبضات القلب، ويمكّن الفرد من التحكم بنفسه، ويعزز قدرته على التجاهل والحفاظ على تركيزه وتوجيه أفكاره على النحو المطلوب.
3. الشعور بالسعادة
بحسب أحد الأبحاث، فإن الاحتكاك بالطبيعة يؤدي إلى زيادة السعادة والتفاعل الإيجابي مع الآخرين. ووِفقَ دراسة ثانية، فإن الأطفال الذين عاشوا ضمن مناطق تضم مساحات خضراء، قلّت لديهم فرص الإصابة بالاضطرابات النفسية في وقتٍ لاحق من حياتهم؛ بما في ذلك الاكتئاب واضطرابات المزاج.
في حين أن نظرائهم الذين تعرضوا بدرجة أقل للمساحات الخضراء أثناء طفولتهم، ازداد لديهم خطر الإصابة بالأمراض العقلية بنسبة 55%.
4. تحسين جودة النوم
من خلال قدرتها على خفض مستويات التوتر، فإن الطبيعة تهيّئك لخوض تجربة نوم جيدة بإيصالها العقل لمرحلة من الهدوء والاسترخاء. بالإضافة لمنحها الجسم هواءً نقيًا وخاليًا من الشوائب التي قد تؤثر على التنفس وتعيق عملية الاسترخاء.
5. اكتساب المعرفة
وفي الوقت نفسه، فإنَّ الطبيعة حبلى بالعناصر والأنواع والتفاصيل التي لا حصر لها. بالتالي، فإنها بمثابة أرضية خصبة للاكتشاف والتعلم؛ تنمّي الفضول عند الإنسان وتغرس فيه حب الاستطلاع والبحث والرغبة بتعلُّم أشياء جديدة.
طقوس الطبيعة المفيدة للدماغ
تحمل الطبيعة الأهمية الكبيرة التي تجعلك تواظب على زيارتها والقيام بعادات وأنشطة لتمنحك قصارى فوائدها. تتضمن الأنشطة التي بوسعك فعلها وسط الطّبيعة ما يلي:
● المشي
في حال زرتَ غابة أو سهلًا أو مرجًا بواسطة السيارة، فلا تتوقف عند ذلك، وابدأ بقطع مسافات طويلة حول المكان مشيًا على الأقدام. المشي يعزز تدفق الدم عبر الدماغ ما يزيد قابليتك لاستشعار محيطك واستقبال مؤثرات الطبيعة المتنوعة.
بموازاة هذا، فقد ربطت إحدى الدراسات بين المشي في المساحات الخضراء، وبين الزيادة باحترام الذات والثقة بالنفس ومستوى المزاج.
● السباحة
لا تنحصر الطبيعة بالمساحات الخضراء، بل تمتد للمساحات الزرقاء أيضًا، فالبحار والبحيرات هي جزء من الطبيعة كذلك. وعند وصولك إليها، يجب أن تتوقف عن المشي والأخذ بالسباحة ما لم تشكّل المياه خطرًا محتملًا عليك.
ومن المتعارف عليه أن السباحة تؤثر على مختلف عضلات الجسم، مما يزيد تدفق الدم ويرفع من نشاط هرمون الإندورفين المسؤول عن التعامل مع حالات الإجهاد؛ الأمر الذي ينشّط مزاجك ويُشعرك بالسرور.
● التأمل
إنّ الممارسة المستمرة للتأمل تحفز من الليونة العصبية للدماغ، والطبيعة تحمل كافة العوامل المساعدة على الإمعان في التأمُّل. يمكنك عقد جلسة تأمل وسط الأشجار أو العشب أو على ضفة نهر أو بحيرة، وتفحُّص ما يحيطك من تفاصيل خلابة. سيوصلك ذلك إلى ذروة الفائدة المحققة من الطّبيعة.
● الاستماع للأصوات
تعدّ الأصوات الطبيعية شفاءً للدماغ من ضرر الأصوات الحضرية وغزارتها؛ مثل حركة المركبات أو أعمال الإنشاءات. يساهم الإصغاء لأصواتٍ كزقزقة الطيور أو جريان المياه أو حركة الرياح، في رفع مستوى الذاكرة والانتباه والتحليل لدى الشخص المستمِع.
هل يمكنني التعرض للطبيعة دون مغادرة البيت؟
الإجابة هي نعم. ففي حال كنت تسكن بعيدًا عن المساحات الخضراء أو المسطحات المائية أو التجمعات الحيوانية، فيمكنك أن تجلب الطبيعة أو بعض مكوناتها إلى منزلك. فعلى سبيل المثال؛ بإمكانك أن تزرع محيط منزلك بالأشجار والأزهار وشتى المزروعات، والتي تجذب بدورها الطيور والفراشات والنحل، ويمكنك كذلك إنشاء مسبح ضمن حديقتك. وإذا كنتَ تعيش في شقة مغلقة، فبمقدورك استغلال الشرفة في زراعتها بالورود ونباتات الزينة وغيرها.
يمكن أيضًا التعرض للطبيعة بواسطة التلفاز وما يحتويه من برامج وثائقيّة عن الحياة البرية، أو الفيديوهات المنتشرة على الإنترنت. إنْ تعذر عليك التواصل مع الطبيعة بشكلٍ مباشر، فعلى الأقل اجعل تواصلك معها عبر وسائل التكنولوجيا حتى تحظى بفرصةٍ لزيارتها. على الرغم من أن المساحات الضيقة أقل بفوائدها من المساحات الواسعة والمترامية.
كمية التعرض للطبيعة
ليس هناك سقف زمني للتعرض للطّبيعة، فيمكنك العيش وسطها للأبد وهو المقدار المثالي بكلّ تأكيد؛ لكن يختلف مقدار تعرض كل شخص للطبيعة بمدى قدرته على البقاء فيها، أو فرصة زيارتها. أو بمدى قرب مسكنه منها.
وعلى أية حال، يوصي الخبراء بتخصيص مجموع 120 دقيقة على الأقل أسبوعيًا في التواصل مع الطبيعة الأم، بما يتيح لك القيام بالتنزه وممارسة بعض النشاطات واستكشاف أكبر جانب ممكن من المكان.
خاتمة
في نهاية هذه الجولة في الطبيعة واستعراض فوائدها على الدماغ، ينبغي علينا تقديم العرفان لها وعدم إلقاء الأوساخ فيها، أو تخريب معالمها، أو تغيير هويتها، أو إيذاء الكائنات القاطنة فيها. علاوة على ذلك، يتوجب علينا الدفاع عنها في وجه محاولات التدمير التي تطالها، لتبقى مستمرة ويستمر تواصلنا معها واستفادتنا منها.
○ عمِّم/ي الفائدة:
المراجع:
(1) Levels of nature and stress response, National Library of Medicine (NIH) website
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5981243/
(2) Nature and mental health: An ecosystem service perspective, Science and AAAS website
https://www.science.org/content/page/aboutus
(3) Mindfulness Meditation Is Related to Long-Lasting Changes in Hippocampal Functional Topology during Resting State: A Magnetoencephalography Study. National Library of Medicine (NIH) website
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6312586/#:~:text=Several%20studies%20have%20shown%20that,of%20cognitive%20functions%20%5B4%5D